على وقع توتر سياسي مرتبط بنتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، تعرض منزل رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي لهجوم بطائرات مسيرة مفخخة وصفته السلطات بـ «محاولة اغتيال فاشلة».
فما حيثيات هذا الهجوم الذي قوبل بتنديد محلي ودولي، وما هي تداعياته المحتملة؟ وهل يعني ذلك مزيدا من العنف أو عودة إلى المربع الأول سياسيا بعد انتخابات شهدت نسبة مقاطعة قوية وانتهت بتراجع في حجم الكتلة النيابية الموالية لميليشيات الحشد الشعبي في البرلمان؟

سياق محاولة الاغتيال
ويرى خبراء أن الهجوم على الكاظمي لا ينفصل عن التطورات المرتبطة بنتائج الانتخابات التي تعترض عليها كتل سياسية ممثلة لفصائل موالية لإيران.
وسرعان ما بادرت تلك القوى التي خسرت ثلث مقاعدها في البرلمان الجديد، بالتنديد بحصول «تلاعب» و«احتيال» في نتائج العملية الانتخابية، وحملت الحكومة مسؤولية «التزوير»، ما أثار مخاوف من ردود أفعال وعنف.
وعلى الجبهة السياسية، وقبل يوم من وقوع الهجوم على منزل الكاظمي، كان مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري الذي حاز أكبر عدد من المقاعد في البرلمان (أكثر من 70)، يقوم بجولات تفاوضية مع قوى سنية وشيعية في بغداد. ولم يلتق الصدر ممثلين عن الحشد الشعبي.
ويشير الباحث في مركز «تشاثام هاوس» للدراسات ريناد منصور لوكالة «فرانس برس» الى أن مقتدى الصدر كان «يسعى الى تشكيل غالبية حكومية تستثني بعض الأطراف الذين يملكون نفوذا وقوة بالغة» على غرار الحشد الشعبي، مضيفا «في هذا السياق، هم يردون قائلين: لا يمكن استبعادنا، لأن هذا ما نقدر عليه، ويمكننا أن نعرقل».

وتقول الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيغل إنها «كانت خطوات محسوبة» في البداية، فقد «استخدم الطرف الموالي لإيران الخاسر في الانتخابات تكتيكات مختلفة للضغط في عملية تشكيل الحكومة، عبر القول إن نتائج الانتخابات مزورة، والضغط عبر الشارع ومحاولة اقتحام المنطقة الخضراء»المحصنة في وسط العاصمة.
وقبل الهجوم على منزل رئيس الحكومة، وقعت صدامات بين معتصمين مطالبين بإعادة فرز الأصوات وقوات الأمن إثر تصديها لمحاولاتهم اقتحام المنطقة الخضراء حيث المقرات الحكومية وسفارات أجنبية منها السفارة الأميركية.
وأقيم مجلس عزاء لضحيتين قيل إنهما سقطتا في ساحة الاعتصام الذي شارك فيه قياديون بارزون في «الحشد الشعبي»، لاسيما نائب رئيسه أبو فدك المحمداوي.

وتوقف الباحث حمدي مالك في تغريدة على «تويتر» عند ما اعتبره «تهديدا واضحا» من قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، إحدى فصائل الحشد الشعبي، ضد الكاظمي، اعقب المواجهات في ساحة الاعتصام. وتوعد الخزعلي بالرد على مقتل المتظاهرين بالقول «أيها الكاظمي.. دم الشهداء هو محاكمتك».
ويضيف مالك أن الفصائل الموالية لإيران «هددت» قبل ذلك الكاظمي بهدف إسماع صوتها، ويقول «في الماضي، كانت رسالة تهديد. ثم كانت محاولة اغتيال».
وليست المرة الأولى التي تستخدم فيها طائرات مسيرة في هجمات داخل العراق. وبدأ استخدامها في هجمات ضد أهداف أميركية منذ ابريل الماضي على الأقل، وأكثر من مرة خلال الصيف، على أهداف في أربيل وبغداد وقاعدة عين الأسد العراقية التي تضم قوات أميركية.
ويقول منصور «بات استخدام الطائرات المسيرة استراتيجية شائعة لإرسال تحذيرات من جانب المجموعات المرتبطة بالفصائل الموالية لايران».
ولا يتم تبني هذه الهجمات عادة أو تعلن مسؤوليتها عنها أحيانا مجموعات مجهولة تطالب برحيل «المحتل الأميركي» أو تتوعد بـ«بالثأر» لمقاتلين قضوا في ضربات أميركية، وتنسب إجمالا الى فصائل موالية لإيران.

هل يعني ذلك المزيد من التصعيد والعنف؟
ترى الباحثة لهيب هيغل «أننا بلغنا على ما أعتقد الحد الأقصى من التصعيد». ومازال المعتصمون في خيامهم يطالبون بإعادة فرز كامل للأصوات، فيما أنهت المفوضية الانتخابية دراسة الطعون استعدادا لإعلان النتائج النهائية.
وعلى الجبهة السياسية، توالت ردود الفعل المنددة بمحاولة الاغتيال.
دوليا، قوبل الهجوم بحملة تنديد واسعة، لاسيما من الخصمين اللذين يتجاذبان النفوذ في العراق، واشنطن وطهران. فقد وصفها الرئيس الأميركي جو بادين بـ «الهجوم الإرهابي»، بينما دعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى «اليقظة لإحباط المؤامرات الإرهابية».
سياسيا، تتوقع هيغل العودة إلى الوضع الراهن نفسه الذي كان سائدا في الأيام الأولى التي تلت انتخابات لم يكن العديد من العراقيين يتوقعون أن تحدث أي تغيير.

وتضيف أن الأطراف المعترضة على النتائج «عادت إلى حيث بدأت» إثر الهجوم على الكاظمي، موضحة «إنهم يخسرون الحرب الإعلامية، ولا يبدو أنه لا يوجد انسجام في الرسائل المختلفة الصادرة عن تلك الفصائل» لكنها تريد، رغم ذلك، تعزيز أوراقها قبل تشكيل الحكومة.
وبالتالي «قد تكون في نهاية المطاف جزءا من الحكومة، ربما ليس للدرجة التي حاولوا الدفع باتجاهها فيما يتعلق بالمناصب»، وفق هيغل التي تتوقع «مزيدا من الجهود للدفع نحو الحوار والتفاوض».
وترى انه «سينتهي المطاف بحكومة توافقية، ومرشح توافقي. ما إذا كان سيكون الكاظمي أو لا، إنه لسؤال مفتوح».
ويقول منصور «الخلاصة لكل هذا ستكون حكومة توافق وطني أخرى، لأن، في نهاية الأمر، كل الأطراف، ولاسيما التيار الصدري، لا تريد عنفا يطول ويمكن أن يقود الى حرب شيعية ـ شيعية».


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *