قدرت مؤسسة برايس ووترهاوس كوبر أن يحصل الدائنون للفرع الأوروبي لبنك ليمان براذرز الاستثماري، الذي كان انهياره في 15 سبتمبر 2008 بداية الأزمة المالية العالمية، على ما يزيد عن ستين مليار دولار في أكبر عملية تصفية وأكثرها ربحا.
جاء الاعلان عن ذلك ـ والذي نشرته وكالة رويترز من لندن ـ في يوم الذكرى الخامسة لانهيار البنك الاستثماري الأميركي الكبير، ويتوقع أن تحصل صناديق التحوط التي اشترت ديون الفرع الأوروبي بأسعار زهيدة وقتها على أرباح تتجاوز 100 بالمائة من توريق الدين الرديء.
واعتبرت مؤسسة المحاسبة والتدقيق المالي والاستشارات برايس ووترهاوس كوبر عملية تصفية الفرع الأوروبي للبنك، ومقره لندن، الأكبر في عالم المال حتى الآن، وقدرت استعادة أصول كبيرة للدائنين من عمليات الأسهم والسندات والأوراق والمشتقات المالية والاستثمارية الأخرى التي كان يديرها البنك.
ولدى انهيار البنك، شهدت أسهمه موجة بيع هائلة وصلت إلى حد أن اشترت صناديق تحوط ما قيمته دولار بنحو 7 سنتات. وتلك الصناديق التي اشترت الدين المعدوم لم تكن تحلم بتحقيق عائد هائل يزيد عن عشرة أضعاف تقديراتها قبل خمس سنوات.
عرض لمرض
رغم أن تلك أخبار جيدة، خاصة للمستثمرين الذين يبرعون في اقتناص فرص الاستفادة من الانهيارات المالية، إلا أنها عرض لمرض اكثر منها لصحة الاقتصاد العالمي بعد خمس سنوات من الأزمة.
فإذا كانت الأزمة، التي بدأت بانكشاف بنوك استثمارية وصناديق ومؤسسات مالية على قروض عقارية رديئة في السوق الأميركي، شطبت عدة تريليونات الدولارات (قدرها البعض بنحو 18 تريليون دولار) من النظام المالي والمصرفي العالمي فإن اقتصادات العالم لم تتحسن بالقدر الذي يعوض أي جزء من هذا على الإطلاق.
إنما ما حدث هو مجرد علاجات للأعراض دون التعامل مع أصل العلة الحقيقية في النظام المالي العالمي منذ تسعينيات القرن الماضي.
وأدت تلك العلاجات إلى خلق مشاكل جديدة خاصة في العاملين الأخيرين تمثلت في أزمة الديون السيادية للحكومات وانكشاف النظام المصرفي عليها.
دورة أزمات
فما حدث منذ بداية الأزمة هو أن سارعت الحكومات إلى ضخ الأموال (من ميزانياتها التي هي من دافعي الضرائب أساسا، أو بالاقتراض عبر سندات خزانة سيادية أو طبع النقد) في النظام المصرفي.
وانفقت حكومات الدول الرئيسية في الاقتصاد العالمي ما يقرب من ثلاثة تريليون دولار لإنقاذ مصارف ومؤسسات مالية من الإفلاس.
وواصلت الاقتصادات الرئيسية ضخ النقد عبر برامج تسمى “التيسير الكمي” أو “الإقراض الميسر” على أمل أن تستخدم المصارف والمؤسسات المالية تلك الأموال الحكومية الرخيصة (قليلة كلفة الفائدة أو بدون) لإقراض الأعمال وتنشيط النمو الاقتصادي ـ أو على الأقل ضبط أوضاعها المالية المتعثرة.
لكن ما حدث في الأغلب أن البنوك والمؤسسات المالية استخدمت تلك الأموال في مزيد من المضاربات لتحقيق أرباح سريعة تضبط بها دفاترها ـ وهذا ما خلق “أغنياء أزمة” في الواقع، كما استفادت صناديق تحوط من انهيار ليمان براذرز حسب ما ذكر أعلاه.
وهكذا، لا يزال النظام المصرفي والمالي العالمي ينتظر دورة أزمات جديدة، ما لم تتخذ الحكومات والسلطات المالية الدولية اجراءات جريئة وحاسمة لتعديل أسس عمله التي قادت في النهاية إلى الأزمة المالية الأخيرة التي لم يتعاف منها الاقتصاد العالمي بعد.