انتفض الجزائريون بوجه رئيسهم الجديد «المؤقت»، فور اعلان البرلمان تسمية رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، رئيسا لفترة انتقالية قد تمتد لفترة تسعين يوما خلفا للرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.
ونزل الآلاف الى الشوارع، مطالبين برحيل «النظام» برمته، ومرددين بالفرنسية «بن صالح ارحل»، و«ليرحل النظام»، داعين إلى تغيير جذري بعد عقود من هيمنة الدائرة المقربة من بوتفليقة على الحكم.
ونجح المتظاهرون، بعد ساعات من المحاولات، في ارغام رجال الشرطة على فتح الطريق أمامهم للوصول إلى البرلمان رافعين الشعارات الرافضة للرئيس الجديد.
ووصلوا إلى البرلمان حاملين شعاراتهم التي تطالب بن صالح بالتنحي وتقديم الاستقالة فورا.
واعتبر المحتجون خطابه الذي وصفوه بـ«لغة التجاهل»، بأنه استفزاز لملايين الجزائريين الذين أوصلوا رسالتهم له يوم الجمعة الماضي عندما خرجوا يطالبونه بعدم تولي المرحلة الانتقالية.
واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع خلال مظاهرات الجزائر العاصمة لتفريق المحتجين.
وهي المرة الأولى منذ سبعة أسابيع التي تستخدم فيها الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق تظاهرة طلاب بهذه الطريقة.
وقال حميد (47 عاما) داخل مقهى قرب البريد في وسط العاصمة الجزائرية «بن صالح يعني بوتفليقة.
الناس لا يريدونه. يجب أن نجد نحن أشخاصا يحكمون البلاد».
وأضاف «إذا تم تعيين بن صالح، سنعود الى الشارع بالتأكيد».
ورفعت التظاهرات الحاشدة التي نظمت الجمعة الماضي شعار رفض «الباءات الثلاث»، في إشارة الى عبد القادر بن صالح، ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، ورئيس مجلس الوزراء نور الدين بدوي.
وقالت نور (17 عاما) لفرانس برس قرب مدرستها في الجزائر «بوتفليقة انتهى. ولا نريد بن صالح. الشعب هو من يختار».
وفي اول تعليق بعد اختيار الرئيس الجديد، تعهد قائد اركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح بأن يبذل الجيش قصارى جهده لضمان السلام للشعب الجزائري، وذلك مع شروع البلاد في انتقال سياسي.
وشدد على حق الشعب «الشرعي» في الاطمئنان على حاضر بلاده ومستقبلها، لكنه لم يشر الى تعيين بن صالح.
وفي كلمة ألقاها صالح أمام وحدات عسكرية برية وجوية، قال قايد صالح إن «الجيش الوطني الشعبي سيواصل بذل قصارى الجهود الكفيلة بتحقيق ما ينسجم ويتساوق (يتسق) تماما مع حق الشعب الجزائري الشرعي في الاطمئنان الكامل على حاضر بلاده وعلى مستقبلها».
وإزاء رفض الشارع، اقترحت صحيفة «المجاهد» القريبة من السلطات إجمالا إزاحة بن صالح.
وكتبت أمس «هذه الشخصية (…) غير مقبولة ليس فقط من حركة المواطنين التي تطالب برحيلها فورا، إنما أيضا من المعارضة وقسم من ممثلي الأحزاب السياسية التي تشكل الغالبية في غرفتي البرلمان».
وتساءلت ما الذي سيفعله بن صالح في مواجهة الغضب الشعبي؟.
«هل سيأخذ علما بالمعارضة القوية ويستقيل ويترك المكان لشخصية أخرى أقل إثارة للجدل لقيادة الفترة الانتقالية القصيرة؟»، أو «سيبقى في مكانه باسم احترام الدستور؟».
وكان البرلمان الذي اجتمع بغرفتيه، مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني، في قصر الأمم بنادي الصنوبر في العاصمة قد أحذ «علما بتصريح المجلس الدستوري المتعلق بإعلان الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية تبعا لاستقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة»، بحسب ما ذكر الإعلام الرسمي.
وتم خلال الجلسة «ترسيم رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة لمدة أقصاها 90 يوما طبقا لأحكام المادة 102 من الدستور»، ولم يحصل تصويت خلال الجلسة.
وفور اعلان تزكيته، تعهد عبد القادر بن صالح البالغ من العمر 77 عاما، بـ «إعادة الكلمة للشعب في أقرب وقت»، داعيا إلى «العمل بكل جد وإخلاص» و«السعي لتطبيق الدستور».
وقال في كلمة له بعد تعيينه رسميا «إننا أمام واجب وطني جماعي يملي على الجميع توفير أنسب وأنجع الظروف لإحاطة الفترة القصيرة القادمة، والإسراع وتدشين مرحلة جديدة في حياة الأمة عبر الاختيار الديموقراطي للشعب الجزائري وتقرير مصيره».
وأضاف «سأعمل على تحقيق الغايات الطموحة، وأني أهيب بكم في هذه الفترة للعمل بكل جد وإخلاص من أجل إعادة الكلمة في أقرب وقت للشعب لاختيار رئيسه وبرنامجه ورسم مستقبله».
وقال «فرض علي الواجب الدستوري في هذا الظرف تحمل مسؤولية ثقيلة»، معربا عن أمله في «تحقيق الغايات والطموحات التي ينشدها الشعب الجزائري».
ولم تشارك «حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة (34 نائبا من 462) في جلسة البرلمان، معتبرة حضورها «تثبيتا تلقائيا للسيد عبد القادر بن صالح كرئيس للدولة وهو موقف مخالف لمطالب الشعب المعبر عنه بوضوح في الحراك».
ويأتي تعيين بن صالح رئيسا مؤقتا تماشيا مع الدستور الجزائري إلا أن كثيرا من المحتجين يعترضون عليه نظرا لكونه جزءا من طبقة حاكمة تمسك بمقاليد السلطة في الجزائر منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1962.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا سيكون رد فعل الجيش الجزائري الذي كانت له الكلمة الفصل في اجبار الرئيس بوتفليقة على التنحي بعد مطالبته بتطبيق المادة 102 من الدستور والتي تتمحور حول شغور الرئاسة، على تعيين بن صالح وعلى أي معارضة للقرار.
فقد أدار الفريق قايد صالح رئيس الأركان الجزائري بحرص عملية خروج بوتفليقة من المشهد بعد ستة أسابيع من المظاهرات التي كانت في أغلبها سلمية.
وأبدى قايد صالح دعمه للمحتجين الذين يريدون التخلص من كل فلول النظام المقربين من الحزب الحاكم والجيش وكبار رجال الأعمال وزعماء النقابات العمالية الذين ساعدوا بوتفليقة على البقاء في السلطة لعشرين عاما.
بن صالح.. ظل بوتفليقة وخامس رئيس مؤقت في تاريخ الجزائر
أصبح رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، خامس شخصية تعيّن رئيسا مؤقتا للبلاد منذ استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962.
وتعد هذه المرة الخامسة في تاريخ الجزائر المستقلة، التي يتم فيها إقرار مرحلة انتقالية لتجاوز أزمات داخلية، وتسند رئاسة الدولة لشخصية من البرلمان أو من خارجه.
البداية كانت في العام 1979، عندما تولى رئيس البرلمان آنذاك رابح بيطاط قيادة البلاد لمدة 45 يوما، بعد وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين، وإلى غاية انتخاب حزب «جبهة التحرير الوطني» الحاكم (الحزب الواحد آنذاك) الراحل الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية.
وعام 1992، استقال الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد تحت ضغط أزمة أمنية وسياسية متصاعدة، وتولى محمد بوضياف رئاسة الدولة مؤقتا، قبل اغتياله في 26 يونيو من العام نفسه، من قبل أحد حراسه الشخصيين.
ووسط تصاعد الأزمة الأمنية وتجميد العمل بالدستور من قبل الجيش، تولى الرئيس الراحل علي كافي رئاسة الدولة مؤقتا خلفا لمحمد بوضياف بين 2 يوليو 1992 ويناير 1994، قبل أن يترك مكانه لوزير الدفاع آنذاك اليامين زروال.
وقاد زروال البلاد رئيسا مؤقتا لها إلى غاية نوفمبر 1995 حين انتخب رئيسا للجمهورية لولاية من خمس سنوات.
ويعتبر بن صالح من نتاج نظام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، حيث كان حليفا مخلصا له وممثلا ديبلوماسيا عنه في المناسبات التي لم يتمكن بوتفليقة من حضورها منذ اصابته بالجلطة الدماغية.
وبن صالح من مواليد نوفمبر 1941 بقرية في تلمسان القريبة من الحدود المغربية. التحق بجيش التحرير الوطني الذي كان يقاتل الاستعمار الفرنسي (1954 ـ 1962)، وهو في عمر 18 سنة، وكانت الدعاية السياسية من بين مهامه. وبعد الاستقلال عام 1962 انتقل الى دمشق لدراسة الحقوق.
ويعد من أقدم وجوه النظام القائم، حيث تولى رئاسة البرلمان العام 1997، أي قبل وصول بوتفليقة إلى الحكم عام 1999.
واستهل بن صالح حياته العملية منتصف الستينيات، في المجال الصحافي ليصبح مديرا لجريدة «الشعب» الحكومية، ومراسلا لجريدتي «المجاهد الأسبوعي» و«الجمهورية» الحكوميتين.
تدرج «بن صالح» في المسؤوليات إلى أن وصل لمنصب الرجل الثالث في الدولة، عندما انتخب رئيسا لـ«المجلس الشعبي الوطني» في الفترة من 1997 إلى 2002.
في العام 2001، اشتد الخلاف بين بوتفليقة ورئيس مجلس الأمة آنذاك، بشير بومعزة، وعزل الأخير من منصبه، ليخلفه بن صالح، صيف 2002.
ومنذ ذلك التاريخ، يشغل «بن صالح» منصب الرجل الثاني في الدولة.
وعقب إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية عام 2013، بات بن صالح الممثل الشخصي لبوتفليقة في المحافل الإقليمية والدولية، وبالأخص في دورات جامعة الدول العربية.
وبعد ظهور أحداث «الربيع العربي» عام 2011، عين بوتفليقة رئيس مجلس الأمة «بن صالح»، على رأس هيئة المشاورات الوطنية، تمهيدا لإصلاحات سياسية واقتصادية.
عندما دخل حزب التجمع الوطني الديموقراطي في أزمة عاصفة عام 2012، انتهت باستقالة أمينه العام الحالي أحمد أويحيى، استدعي «بن صالح» لتولي رئاسة الحزب بالنيابة.
ثم انتخب في مؤتمر استثنائي للحزب عام 2013، أمينا عاما له، قبل أن يقدم استقالته في 2015، فاسحا المجال أمام عودة أحمد أويحيى.