كشفت صحيفة “العرب اللندنية” عن ان الهدنة رعتها مصر بين إسرائيل وحماس قد تتحول الى اتفاق سلام لمدة خمسة عشر عاما، وذلك في ظل المتغيرات التي شهدتها المنطقة بسبب “الربيع العربي”، وأبرزها صعود الإخوان إلى الحكم والعلاقة المتينة التي أصبحت تربطهم بالإدارة الأميركية الديمقراطية.
ونقلت الصحيفة في تقرير لها بعددها الصادر الجمعة عن مراقبين قولهم “إن التهدئة التي تم إمضاؤها مساء الأربعاء أصبحت تمتلك مقومات الاستمرار بعد المباركة الأميركية، بل أنها ستصبح (كامب ديفيد) لكن ذات طابع إسلامي يرتكز على أدبيات مستمدة من صلح الحديبية وترديد (وإن جنحوا للسلم)، لأن الطرف الفلسطيني المؤثر في غزة (حماس) سيكون حريصا على إنجاحها في سياق التزاماته الإقليمية، وخاصة تبعيته لإخوان مصر الذين يقودون التنظيم الدولي ويتحكمون في خططه، وحماس عضو فيه”.
وتشير التقارير أن حماس ترى في التهدئة وانخراط الراعين للاتفاق في تطويره اعتراف بسيطرتها على غزة وتقديم لها على أنها طرف ممثل لفلسطين بدلا من منظمة التحرير الفلسطينية.
وتلقى الرئيس المصري خلال وساطته الأخيرة لإنجاح التهدئة الشكر من دوائر أميركية وأوروبية وإسرائيلية، ويجري التسويق له في الصحف الغربية على أنه شخصية قادرة على التفاوض ولديها مصداقية داخل حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى التي أطلقت الصواريخ.
ويذهب محللون مصريون إلى أن ذلك المديح يعكس رغبة غربية في جعل الرئيس الإخواني ينهض بنفس الدور الذي قام به الرئيس المصري السابق حسني مبارك وهو الحفاظ على أمن إسرائيل والمصالح الأميركية، مقابل الحصول على مساعدات أميركية وخليجية تُخرج الاقتصاد المصري من أزمته وتكسب حكم الإخوان الاستقرار والاستمرارية.
ولم يستبعد هؤلاء أن يقابل مرسي “الكرم” الغربي بضغوط شديدة على حركة حماس تدفعها إلى إبرام اتفاق طويل المدى يضمن هدنة قد تفوق العشرين عاما، وهو ما كان أشار إليه القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رباح مهنا في تصريحات صحفية.
وكشف مهنا عن لقاء جمع بين ممثلين عن إسرائيل وحماس في دولة أوروبية بشأن التوافق على تهدئة مطولة، ولفت أيضا إلى أن عراب التفاوض للإخوان مع الغرب وإسرائيل هو خيرت الشاطر القيادي البارز في جماعة إخوان مصر.
ويشبه متابعون ما يقوم به الشاطر من لقاءات سرية بما سبق أن قام به ياسر عبدربه من اتصالات خفية مع الإسرائيليين دون أن يكون ذلك بتكليف رسمي من السلطة الفلسطينية، أو منظمة التحرير، ما أثمر وثيقة جنيف التي أسست للتنازلات التي أقدمت عليها حركة فتح.
ولم يستبعد مقربون من حماس أن تخوض الحركة سلسلة من اللقاءات السرية مع شخصيات إسرائيلية وغربية شبيهة بما أقدمت عليه منظمة التحرير في مدريد وأوسلو، ليتم تتتويج هذه اللقاءات باتفاقية كبرى مع إسرائيل شبيهة باتفاقية كامب ديفيد، يمكن أن توصف بكونها كامب ديفيد إسلامية.
ويقول المتابعون إن اتفاقية جديدة للسلام مع إسرائيل لن تكون حركة حماس ولا إخوان مصر وحدهم المعنيين بإنجاحها، بل ستقف أطراف عربية أخرى “دول خليجية” وتركيا وراء الاتفاقية بكل ثقلها سياسيا وماليا.
وفي هذا السياق يتوقع معارضون فلسطينيون لسياسة التهدئة أن تسعى الدول سالفة الذكر الى التكفل بإعادة إعمار غزة انطلاقا من النظرية التي تقول إن الإكثار من الرخاء يضعف المقاومة، ويلفت هؤلاء النظر إلى قرار الدوحة ضخ 400 مليون دولار واعتباره دفعة على الحساب في سياسة ترويض حماس وإدخالها بيت الطاعة العربي.
ويؤكد المعارضون أن خيار رشوة حماس يحقق هدفين للدول المانحة، الأول ضمان تحول حماس إلى سلطة مستقلة في غزة حريصة على أمن إسرائيل كما تحرص عليه فتح حاليا في الضفة، والثاني إبعادها عن محور إيران وحزب الله الذي سبق أن دعمها ماليا وعسكريا وجعلها ورقة صعبة الترويض.
وستعمل الدولة العربية الثرية “مع مساعدات غربية غير ذات قيمة” على جعل دول “الطوق الإسلامي” الضامن لمهمة حماس.
لكن هؤلاء يقولون إن حماس لن تنجح في ما فشلت فيه فتح لأن الفصائل المسلحة الأخرى ستكون حجر عثرة أمامها، وخاصة حركة الجهاد المرتبطة بإيران التي تعهدت في أول بيان لها بعد وقف إطلاق النار بأن “انتهاء العدوان لا يعني انتهاء المعركة”، وأن إمكانياتها العسكرية لازالت قوية، وأنها على استعداد لمواصلة المعركة.
كما يتوقع المتابعون أن تنقسم حماس نفسها بسبب خيار التهدئة، فهناك تيار معارض للتسويات يقوده على وجه الخصوص محمود الزهار الذي قال في أول ظهور له بعد وقف المعارك “انتهى زمن الدفاع عن النفس وحان وقت تحرير الأرض”، ويجد سندا قويا له من داخل كتائب القسام الذراع العسكرية للحركة.
اترك تعليقاً