كويت نيوز: يقال أن تاريخ الإنسان في جانب كبير منه هو تاريخ حروبه ،ورغم صغر حجم الكويت بلدا وجيشا إلا أنه كان لها قصب السبق في الوصول إلى حدود سيناء الشرقية والإطلالة على رفح صبيحة يوم الخامس من حزيران 67 ليكون لواء اليرموك الكويتي الوحدة العسكرية العربية الوحيدة التي شاركت المصريين في مسرح عمليات سيناء .
نداء الواجب القومي
جرى احتفال عسكري كبير في مدرسة تدريب المشاة بعد ظهر يوم 28 يونيو 1967م في اللواء السادس بالجهراء لتوديع لواء اليرموك ، وخاطب أمير الكويت الشيخ صباح السالم الصباح منتسبي لواء اليرموك قائلا ‘ لقد قررت أمتنا حسم هذا الأمر وقبول التحديات الإسرائيلية ، وخوض المعركة متى نشبت، إلى نهايتها ‘ إلى أن قال ‘ كم كان محببا لدي أن أكون معكم ، كواحد منكم أشارككم المخاطر والمصير في السراء والضراء’. و قام آمر لواء اليرموك العميد صالح محمد الصباح باستلام علم الكويت من صاحب السمو الأمير والاستئذان بمغادرة أرض الوطن لتحقيق هدف الأمة’.و في 2 يونيو تم نقل كتيبة المشاة 5 وكتيبة المغاوير ، حيث وصلت إلى مطارات القاهرة ،و مطار فايد و مطار الكبريت. وقد التحقت القوة الكويتية بالفرقة السابعة المصرية بقيادة الفريق عبد العزيز سليمان في رفح ضمن قاطع منطقة عمليات العريش، وتم إعداد مقر لقيادة اللواء في نادي ضباط قاعدة فايد واستخدمت إحدى المدارس كقاعدة للمشاة الكويتيين لحين إرسالهم للجبهة . كان الجيش الكويتي بعد أزمة قاسم مكون من ثلاثة ألوية، وبإرسال الكويت للواء اليرموك يكون قد تم إرسال ثلث الجيش الكويتي للجبهة بتسليحهم الجديد الذي تم شراءه بعد أزمة قاسم. حيث تقرر أن يتم تشكيل لواء (مجحفل )مكون من أربعة كتائب هي كتيبة الدبابات وكتيبة الصواريخ وكتيبة المغاوير وكتيبة المشاة. كان لواء اليرموك في حجمه العددي يقترب مما يعرف في العسكرية (لواء-) ويعني ذلك حوالي الألف رجل، دون حساب عدد الجنود المهنيين من طباخين وميكانيكيين وكهربائيين،وإن كان هناك من قال بأن اللواء كان حوالي 1500 رجل.
أول جيش عربي في الميدان
طلبت القيادة المصرية تحريك القوات الكويتية بأسرع وقت ممكن إلى منطقة رفح في قطاع غزة ،وكان ذلك يتطلب خطوة تسبق التحرك وهي مهمة استطلاع القائد للمواقع الجديدة وطريق مسير قواته إلى هناك ،حيث تم تشكيل فريق استطلاع بالهيلوكبتر تحرك في يوم 4 حزيران 1967م للجبهة وكان مشكل من العميد صالح الصباح و المقدم سعدي مطلق والمقدم محمد البدر .قسم القادة المصريون جبهة سيناء عشية حرب حزيران 1967م إلى المحاور الثلاثة الشمالي و الأوسط و الجنوبي ، ويظهر وضع القوات الكويتية في رفح وهو قاطع عمليات العريش او المحور الشمالي حجم الاعتماد عليها ربما ليس لحجمها ولكن بما تملك من سلاح حديث وتدريب جيد ،لأن المحور الشمالي كما قدرت القيادة المصرية يأتي في المرتبة الثانية في ترتيب أهمية المحاور حسب صلاحيتها للهجوم الإسرائيلي . رفض العميد صالح الصباح الموقع المخصص للقوة الكويتية الذي اقترحه قائد القطاع اللواء عبد العزيز سليمان في رفح لأنه لا يجابه العدو، وتم اختيار موقع على ميسرة لواء مصري مدرع يقوده اللواء مصطفى شاهين الذي أصبح رئيس أركان الجيش الميداني الثالث في حرب أكتوبر 1973م، وقد طلب العميد صالح إسناد مدفعي للقوات الكويتية التي لا مدافع معها في ذلك الحين، حيث وفر المصريون ثلاث مدافع. عند عودة فريق الاستطلاع من العريش توقفوا في مطار تمارا وهناك تخلف عنهم العقيد عبد الستار مدير مكتب المشير عامر لأنه مكلف بالتحضير لزيارة المشير غدا للفرق الموجودة في سيناء وهو يوم 5 حزيران1967م، وهي الزيارة التي صارت جزءا من أدبيات هزيمة حزيران1967م وتم جعلها ذريعة لعدم التصدي للطيران الإسرائيلي، حيث كانت صواريخ الدفاع الجوي وطائرات الاعتراض مقيدة لوجود طائرة المشير في مكان غير محدد من أجواء سيناء في ذلك النهار، أما الأمر الأخر الأكثر ضررا من نتائج تلك الزيارة فكان استدعاء كافة قادة الوحدات في سيناء لهذا الاجتماع الذي عقد في فايد على البحيرات المرة حيث كان قادة القوات مجتمعين هناك بعيدا عن قواتهم في الساعة الثامنة من صباح يوم الخامس من يونيو عندما تمت مهاجمة مطار فايد وهم فيه،فصارت القوات في سيناء بدون قادتها كجسم بدون رأس ،حيث لم يستطع القادة الوصول لقواتهم إلا قبيل الغروب لوعورة الطريق ولحاجتهم لخمس ساعات على الأقل للوصول هناك.
تتميز مدينة فايد بشواطئها الساحرة الجميلة وتعد ثاني أكبر مركز بعد المحافظة الأم الإسماعيليةوقد تم تحديد نادي ضباط قاعدة فايد كمقر لقيادة لواء اليرموك الكويتي، وفي الوقت نفسه كان هذا المكان هو نقطة تجمع قادة القوات المصرية في سيناء لمقابلة المشير عبد الحكيم عامر صباح يوم الخامس من حزيران ، أما بقية القوة الكويتية فقد كانت تقيم في إحدى المدارس القريبة. سيناء هي درع مصر الاستراتيجي، و سيناء هي معبر الديانات والغزاة، وكان على الجيش الكويتي أن يلتحم مع الجيش المصري لخوض المعركة القادمة المجهولة على حدود سيناء ، وبعد أن عاد فريق الاستطلاع إلى فايد ،اجتمع العميد صالح الصباح مع قادة اللواء للإعداد للانتقال للموقع الجديد في سيناء ،وتم تحديد مساء يوم 4 يونيو 1967م لحركة القوات الكويتية إلى الخط الأول قرب العريش ، وكان على القوة الكويتية أن تقطع سيناء للوصول إلى مواقعها الجديدة .
رفح هي مدينة فلسطينيةمصرية وتعتبر أكبر مدن قطاع غزة على الحدود المصرية وتبعد مسافة 45 كم عن العريش. وقد كانت رفح هي نقطة حشد القوات الكويتية ضد العدو الإسرائيلي . وقد أعدت القوات المصرية قطار لنقل الأفراد إلى رفح حيث غادر إلى الخطوط الأمامية مساء الرابع من يونيو حزيران، حيث صدرت الأوامر لكتيبة بقيادة العقيد عبدا لله فراج الغانم ومعه المرحوم الرائد عمر زعيتر بالتحرك بذلك القطار. وبعد مغادرة القطار الأول بدأ تجهيز القطار الثاني وهو قطار بضائع لحمل المعدات الثقيلة المكونة من مدافع كومبات بالإضافة إلى آليات سحب روسية استعيرت من المصريين لسحب المدافع الكويتية حيث لم تكن ذاتية الحركة. وقد كانت العريش نقطة توقف رئيسية لقطار القوة الكويتية ،فبعد أن علم المصريون بوصول قوات كويتية تساند جيشهم في الساعة الثامنة من مساء 4 يونيو حزيران 1967م خرجوا في جماعات إلى محطة قطارات العريش يرددون هتافات ترفع الروح المعنوية ومنها ‘صباح ياحبيب بكرة نخطب في تل أبيب ‘ ،كما وزع أهالي العريش السندويتشات والمشروبات الغازية على رجال لواء اليرموك، وفي صباح اليوم التالي استقبل محافظ العريش القوة الكويتية ثم تحرك القطار إلى مواقعه الجديدة في رفح.وهنا نشير إلى أن عملية الاستقبال قد صدرت تعليماتها مباشرة من رئيس أركان الجيش المصري الفريق أركان حرب محمد فوزي لكي تتم بحفاوة واستقبال جيد وهو اهتمام زائد على أعلى مستوى ميداني كما جاء في مذكراته.
حرب الخامس من حزيران1967م
استحوذت أربع ساعات بدأت في الساعة السابعة وخمسة وأربعون ، الثامنة وخمسة وأربعون بتوقيت القاهرة الصيفي من صباح يوم 5 يونيو/حزيران1967م على اهتمام العالم،حيث يندر أن نجد حدث بمثل تلك المدة والكيفية بما له من العواقب التي أسرت العالم بنتائجها لفترة تزيد عن أربعين عاما .
لقد فصل العسكريون في كليات القيادة الأركان في مشارق الأرض ومغاربها في خطة رئيس الأركان العامة الإسرائيلي الجنرال إسحاق رابين ، ومجدوا الحرب الخاطفة التي قادها ضد القوات العربية . و يجعلنا استرجاع حرب إسرائيل الخاطفة أو حرب الأيام الستة كما هو دارج في المصادر الإسرائيلية والغربية تمجيدا لقصر وقتها، تجعلنا نتوقف قسرا أمام مقولة وزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان إبان حرب 67، وهي إن العرب قوم لا يقرأون. ولم يكن دايان يقصد في مقولته السابقة كل العرب، بل يقصد بالتحديد القادة العسكريون العرب ، فالخطة التي نفذتها قوات رابين لم تكن إلا سيناريو مكرر لخطط معظم الغزاة الذين هاجموا مصر مخترقين شبه جزيرة سيناء ، بل إن آخرها كانت خطة بريطانية لاسترجاع مصر من النازيين في الحرب العالمية الثانية عن طريق سيناء . وضع محاور الهجوم فيها الجنرال مونتغمري تحسبا لفشله في معركة العلمين الشهيرة عام 1942م ضد الجنرال الألماني رومل، لكن مونتغمري انتصر في المعركة. ثم وجدت الخطة التي لم تطبق طريقها إلى قاعات الدرس في كلية القيادة والأركان البريطانية كمبرلي التي تخرج منها إسحاق رابين في عام 1953م. ومن المفارقات أن الجنرال مونتغمري كان قبل حرب 67 بأيام يحاضر في أكاديمية ناصر العسكرية وحذر من كل ماحدث ، حيث قال بالحرف الواحد ‘حرب الصحراء هي حرب طيران، ضربة أولى ، ثم مدرعات متحركة بسرعة في وحدات صغيرة ‘ لكن ذلك لم يجد أذن صاغية من القادة لمصريين الذين استمعوا له.ولعل مما يزيد كاتب هذه السطور ألما انني تخرجت من دورة القيادة والأركان الاولى التي عقدتها ‘كمبرلي’ نفسها في الكويت بعد 30 عاما، وطبق زملاء لنا نفس الخطة في العاب الحرب .كما ان عزرا وايزمان قائد سلاح الطيران الإسرائيلي عاش كما يقول في مذكراته يعيد في ذهنه الخطة البريطانية ضد مصر عام 1956م و خطة الاستخبارات الأميركية ‘ اصطياد الديك الرومي’ عام 1961م ضد مصر ، وقد أورث الخطة لخليفته الجنرال موردخاي هود الذي درب رجاله على مهاجمة 11 مطارا مصريا في نفس الوقت.وكما أسلفنا فليس هذا ببحث في العلم العسكري ، لكن إعادة قراءة الأحداث جعلتنا نجد أن النجاح العسكري الإسرائيلي لم يكن تعبير أمينا وسليما عن حقيقة ما جرى.
في ضحى الخامس من يونيو حزيران 67 قامت إسرائيل بغارات جوية على سيناء والدلتا والقاهرة ووادي النيل في ثلاث دمرت فيها 25 مطاراً حربياً وما لا يقل عن 85% من طائرات مصر وهي جاثمة على الأرض . وطبقا للبيانات الإسرائيلية تم تدمير 209 طائرات من أصل 340 طائرة .
في منطقة عمليات لواء اليرموك الكويتي كان خرق دفاعات الفرقة المصرية السابعة في رفح على عاتق مجموعة القتال الإسرائيلية بقيادة الجنرال ‘ يسرائيل تال’ المشكلة من أفضل ألوية الجيش الإسرائيلي ، ثم الاندفاع بعد الخرق لتدمير كل ما يشكل عمق الفرقة المصرية السابعة، قبل أن تتوفر الفرصة والوقت الكافي للقيادة المصرية كي تعيد توزيع الأدوار الدفاعية بعد أن تفيق من أثر الضربة الأولى.
بعد ذلك كان على قوة ‘تال’ أن تنقسم إلى قسمين: أحدهما ثانوي يواصل الزحف على المحور الشمالي صوب ‘رمانة’ و’القنطرة’، والآخر رئيسي يزحف جنوباً نحو ‘بير لحفن’ ثم ‘جبل لبنى’ ، ويواصل الزحف بعد ذلك نحو القناة في مواجهة الإسماعيلية، وقد استطاعت قوة تال بهجومها تدمير فرقتي مشاة النسق الأول، السابعة والثانية، التي كان يرتكز عليها النظام الدفاعي لمصر في سيناء.
كان ذلك هو دور القوات الإسرائيلية و قد نفذته بنجاح ، أما دور القوات المصرية فتمثل في خروج فرقة المشاة السابعة و المسئولة عن المحور الشمالي عن نطاقها الحصين في الشيخ زويد لترابط ما بينه وبين رفح في سعي لتأمين دفاع عن جنوب القطاع يمنع عزله عن سيناء، فجاءت مهمات الفرقة المناطة بها فوق قدراتها ،مما انتهى بالفرقة السابعة إلى أن تصبح سهلة الاختراق من القلب ومن الأجنحة معا وهي نتيجة أودت بالفرقة إلى أن تصبح سهلة الهزيمة رغم قتالها البطولي في اليوم الأول من الحرب وقبل أن يستشهد قائدها اللواء عبد العزيز سليمان وينفتح الباب على مصراعيه إلى العريش كبرى حواضر سيناء.كانت القوة الكويتية في طريقها إلى رفح مرورا بالعريش عندما بدأ الهجوم الإسرائيلي، فقد تمت مشاهدة الطائرات الإسرائيلية من قبل العسكريين الكويتيين وهي تغير على القوات المصرية في المقدمة وفي الخطوط الخلفية على حد السواء ، حيث توقف القطار على بعد 15 كم من رفح بعد تعرضه لضرب من الطائرات الإسرائيلية في التاسعة صباحا، وشاهد الجنود الكويتيون أعمدة الدخان الضخمة تتصاعد متفرقة من مدينة رفح ، وتوقف القطار ومكث في مكانه حتى الساعة 12 ظهرا. واجتمع قسم الأمر وهم مجموعة صغيرة من الضباط تتشاور في الأمر الواجب إصداره وتقوم بالتأكد من وصوله لكافة الجنود ، وكان الأمر الذي صدر باسم مساعد قائد لواء اليرموك العقيد عبدالله فراج الغانم هو تكملة المسير إلى رفح ، لكن القطار توقف ، وشوهد الجنود المصريون يسيرون في الاتجاه المعاكس نحو العريش ، فتغير الأمر وتقرر الانسحاب على نفس القطار إلى العريش .
وفي صورة تختصر وصف ضباب الحرب و مشهد الارتباك الذي أدى إلى ارتكاب الخطأ ثم الهزيمة التي عمت الجبهة على الجانب العربي، سار القطار جاعلا من حمولته وسيره البطيء هدفا سهلا لطياري سلاح الجو الإسرائيلي محاولا في الوقت نفسه الفرار من رفح و الوصول إلى العريش، متجاهلا انه قد انزل للتو في صحراء الضياع القوة الكويتية بدون سواتر طبيعية أو غطاء جوي. وهنا تدخل المرحوم الشهيد الشيخ فهد الأحمد، وكان قائد إحدى سرايا المغاوير حيث اجبر السائق بالتوقف تحت تهديد السلاح لينقل القوة الكويتية إلى العريش . وهناك ذهب قائد المجموعة العقيد عبدالله فراج الغانم ومجموعة من الضباط إلى قيادة الفرقة السابعة التي كانت القوة الكويتية ملحقة بها للاستفسار عن الوضع،ولطلب سيارات لتحركات الكتيبة . وفي الوقت نفسه أرسل عبد الله فراج الملازم فيصل الخترش والرقيب غثيث علي مع إحدى السيارات المصرية لإبلاغ القيادة في فايد بما حدث.
وصلت القوة الكويتية عائدة إلى العريش وكما كان متوقعا قامت المقاتلات الإسرائيلية بضرب العربة الأولى والعربة الأخيرة من القطار فتوقف القطار. وكانت قد ظهرت أول دبابة إسرائيلية في منطقة العريش أمام النصب التذكاري في مدخل العريش حوالي الساعة 6:40 دقيقة مساء وسط ذهول الجميع الذين كانت تملأ قلوبهم مشاعر العزة والفخر والاعتقاد بالأمن والسلام، وكان ذلك يعني حصار وعزل الفرقة السابعة[1]،حيث لم يبقى إلا المقاومة الشعبية ،حيث تحركت وحدات الحرس الوطني وفرق المقاومة الشعبية بعد سماع أنباء وصول القوات الإسرائيلية وتم توزيع الأسلحة على الموطنين للدفاع عن الأماكن الحيوية عن المدينة .
كانت معنويات رجال لواء اليرموك لا تزال مرتفعة عند دخول الدبابات الإسرائيلية مدينة العريش وقت الغروب،حيث اخذوا مواقع قتالية بين النخيل لصد القوات الإسرائيلية ، وارتفعت بينهم صيحات المؤازرة بالتهليل والتكبير والطلقات النارية، لكن حكمة المرحوم فهد الأحمد أقنعت البقية أن لا جدوى من محاولة وقف المدرعات بالبنادق والأسلحة الفردية، وتقرر الانسحاب إلى البحر تحت وابل من النيران الإسرائيلية .واتخذت المجموعة الكويتية بعض الشاليهات كموقع عسكري. خصوصا أن الدبابات الإسرائيلية قد بدأت بالاستيلاء على بقية بلدة العريش، وضربت مقر المحافظ وجميع الأماكن المهمة في المدينة.و لابد من الإشارة هنا إلى دور أهل العريش البطولي حيث لم يوجد بيت فيها إلا واستضاف جنودًا منسحبين، رغم إن العقاب كان هدم المنزل ورغم سهولة تمييز الجنود من المدنيين عن طريق الذقن الحليقة .
20 دقيقة لوضع خطة الانسحاب
كان الانسحاب في حرب حزيران 1967م مسمى مهذبا لما هو أكثر تعاسة ، ويتم الانسحاب الناجح على شكل وثبات، مع ضرب العدو أثناء الانسحاب لجعله يدفع ثمن كل شبر يتقدمه خلفهم . وينقلب الانسحاب فرارا إذا تم بسرعة عالية وأدى لتفكك الوحدة ونعرضها لخسائر نتيجة فقد العتاد والرجال.
إنه من المحزن أن تضم الموسوعات العسكرية حرب حزيران 67 كمثال على واحد من أسوأ عمليات الانسحاب في الحروب ، بل إن الأسوأ من ذلك أن الخسائر المصرية كافة في يوم القتال الأول كانت 294 شهيدا فقط ،ولم تنتهي الحرب بعد قرار الانسحاب الذي تحول إلى مطاردة إسرائيلية للجنود العرب العزل إلا وقد صار العدد 6811 شهيدا .وحتى لا ننقاد مع نتائج الأحكام التي صارت جزءا من أدبيات حرب 1967م،والتي أدانت الجندي العربي بسبب الانسحاب نذكر إن موقف القوات المصرية لم يكن هزيمة مطلقة ، فقد صمدت الفرقة الثانية حتى يوم 7 يونيو في ‘القسيمة ‘، بل إن اللواء المدرع الأول المصري في الكونتيلا قد صد لواء ميكانيكي إسرائيلي ، ثم حول عملية الصد إلى هجوم معاكس ثم إلى مطاردة إلى داخل حدود إسرائيل.
في اليوم الثاني من الحرب سقطت العريش،وانفتح المحور الشمالي أمام القوات الإسرائيلية المدرعة.وراح الطيران الإسرائيلي في تثبيت الوحدات المدرعة المصرية في الممرات الجبلية ،وفي استخدام ناجح للحرب النفسية. أذاعت إسرائيل مساء اليوم نفسه أن عناصر قواتها وصلت إلي قناة السويس مما أصاب جنود الجيش المصري بالذعر.و قام الجنود المنسحبون بدفن أسلحتهم في الرمال بعد سماع الفظائع الإسرائيلية، حيث لم يتردد الصهاينة في جمع الجنود المصريين الأسرى وحرقهم أحياء في أبو طويل و وبئر لحفن والحنطة وأبو عجيلة وجبل لبنى والمغارة، وانتشر خبر المذبحة المروعة التي ارتكبتها وحدة ‘شاكيد’من الجيش الأسرائيلى برئاسة مجرم الحرب’بنيامين بن إليعازر ‘ضد الأسرى المصريين العزل ، كان ذلك في منطقه مطار العريش ،وهي منطقة عمليات قو’ الجنرال’ يسرائيل طال’ حيث أعدموا الأسرى المصريين أو هرستهم الدبابات الإسرائيلية كما ظهر في اعترافات مقترفيها في الفيلم الوثائقي روح شاكيد. وكان على الجميع الفرار من نفس المصير ، خصوصا إن الإسرائيليون قد تمكنوا من الاستيلاء على مدينتي غزة وخان يونس بالإضافة إلى أن نائب القائد الأعلى للقوات المصرية المشير عبد الحكيم عامر كان قد أصدر في الساعة الخامسة من بعد ظهر 6 حزيران 67 أمرا بالانسحاب العام لجميع قوات سيناء إلى غرب قناة السويس، وهو القرار الذي أثر سلبا على أداء الجيش المصري وعلى مسار الحرب نتيجة تحول الانسحاب إلى فرار كما اشرنا سابقا.
أنهارت الفرقة السابعة المصرية برجالها ودبباتها ودروعها ومدفعيتها ففقد لواء اليرموك الكويتي الظل الذي كان يركن إليه في شمس حزيران الملتهبة ، وقررت القوة الكويتية كما أسلفنا الانسحاب من العريش إلى البحر وفي الشاليهات وزع فهد الأحمد الحراسات وطلب عشرة عسكريين لايدخنون أخذهم معه للبحث عن قائد القوة في سيناء العقيد عبدالله فراج الغانم و مجموعته التي لم يظهر لهم اثر بعد الهجوم الإسرائيلي على العريش[2]. وفي مساء اليوم الثاني كان لابد من الانسحاب غربا حيث اصدر الجنرال الإسرائيلي ‘تال’ أوامره بالهجوم الرئيسي عن طريق الساحل بقيادة العقيد جراتيت يسرائيل الذي نجح بالالتفاف حول العريش ثم احتلالها.
كان على القوة الكويتية الانسحاب مرة اخرى و اخذ طريق العريش –القنطرة المعبد كدليل للمسير، ولعمل ذلك اخذ فهد الأحمد أربعة جنود للاستطلاع قبل المسير العام، وكانت الكتيبة بعد ذلك تسير على الطريق المعبد في الليل وتبتعد عنه في النهار. كما كانوا يفككون الأسلحة في النهار حتى يخف وزنها و يتسنى حملها موزعة بين الرجال الذين أرهقهم التعب والجوع. وقد كان عدد أفراد بعض المجموعات التي تفرقت بعد الهجوم على العريش يبلغ 92 عسكريا والأخرى 50 عسكري والبعض الأخر 18 عسكري. بل إن الغريب في الأمر كان في كثرة تفرق المجموعة ثم الاجتماع مرة أخرى نتيجة صدفة بحته، فقد صعد الملازم ضاحي حمد إحدى الكثبان الرملية وشاهد في أسفله جنودا لم يعلم إن كانوا عربا أم إسرائيليين، ثم سقط من شدة الإجهاد والعطش وتدحرج فاقد الوعي ليستيقظ بين يدي رفاقه الكويتيين الذين افترق عنهم قبل عدة أيام .
كانت عبارات الحماس والتشجيع تتردد أثناء المسير الطويل لتخفف من الجوع والخوف والإرهاق.وقد سارت المجموعة إلى قرية بئر العبد ثم قرية رمانة وبعد منتصف ليل اليوم الثالث ظهرت كتل كبيرة داكنة وأصوات خافته أتضح بعدها للمجموعة كويتية التي يبلغ عدد أفرادها 50 عسكريا أنهم قد دخلوا أطراف ‘ قرية بئر المزار’ التي تعد من المحطات الهامة حيث وجدت القوة الكويتية حامية عسكرية مصرية في القرية، حيث رحبوا بهم في استقبال عاطفي حار عندما علموا أنهم كويتيين فلم يكن على الجبهة آنذاك إلا المصريين والكويتيين فقط، وقد قدموا لهم الطعام المتوفر الذي لم يتعدى شوربة عدس وبسكويت. كان رجال المجموعة الكويتية يمنون النفس بالراحة بعد التعب والشقاء،لكن أعينهم لم تغمض طويلا، فمع صوت مؤذن القرية لصلاة فجر يوم 7 يونيو 67 انطلقت أصوات قذائف قوة إسرائيلية قامت بالهجوم على القرية، فتفرقت الكتيبة قسرا إلى مجموعات و رسم الجندي عثمان مذكر الهاجري صورة تلك الليلة بأبيات منها:
لا عاد يوم جرى لي في العريش ولا عاد ليل جرى لي في المزار
أختلط ضرب البنادق والرشيش في ظلام الليل كني في النهار
كان الإرهاق والخوف الجوع والعطش يحوم فوق رؤؤس المجموعات المتفرقة على حد سواء ، و بعد خروج أحداها من قرية المزار وعلى إطراف قرية في سيناء وجد أفراد القوة الكويتية بيتا مهجورا وأخذوا منه (قلة ) تمر وزعوها بينهم ، كما وجد أفراد مجموعة أخرى مزرعة لتربية الدواجن قاموا فيها بذبح عدد من الدجاج واكله على عجل. أما إحدى المجموعات فقد سارت دون نوم أو طعام حتى قابلت بعض البدو الذين باعوا لهم خروفا واحدا تقاسمه الرجال البالغ عددهم في تلك المجموعة 92 عسكريا. ثم وصلت المجموعة نفسها إلى قرية بنيت منازلها من سعف النخيل ، حيث أمر عمدة القرية بتزويدهم بكيس واحد من الطحين وبعض الطعام خلال الأيام الأربعة عشر يوما التي قضوها في هذه القرية.و بعد يوم من السير في شمس يونيو الحارقة وصلت مجموعة كويتية أخرى خرجت من المزار في تلك الليلة إلى بئر ذات مياه مالحة، لكن ذلك لم يمنع الأفراد من شربه بل والتزود به ،ثم معاودة السير لتسلق الكثبان الرملية المرهقة. ثم وصلت المجموعة نفسها بعد أيام إلى مزرعة بها بئر ماء وعليها بدوي يسقي جمله ، حيث تكفل بإيصالهم إلى قناة السويس، وسارت المجموعة بعد أن تزودت بالماء في قرب على ظهر الجمل، وفي صباح اليوم الثالث، بعد ليلة مرهقة أفاق رجال المجموعة دون أن يجدوا للبدوي أو جمله أو قرب الماء أي أثر،لكنهم وجدوا سكة القطار فتتبعوها متجهين إلى الغرب.
لقد كانوا يعرفون مايجري من خلال الاستماع إلى الإذاعات من الترانزستور الذي كان يحمله احدهم، ومن خلاله عرفوا بسقوط القنطرة شرق وان العدو من فوقهم ومن أمامهم ومن خلفهم ، وهم يشاهدون حواماته وقد ملكت سماء المعركة تطاردهم في الصحراء كجرابيع برية كانوا يستمتعون بمطاردتها وهم فتية في صحراء الكويت ، لقد كانت بداوتهم عون لهم في الاسترشاد بالنجوم وفي معرفة صعود التلال زحفا ثم التدحرج من الجهة الثانية ، لكن بداوتهم كانت من جانب آخر عبئا عليهم في تلك المحنة ، حيث لم يكن الوصول إلى قناة السويس يعني الوصول إلى بر الأمان فلم يكن يجيد السباحة منهم إلا نفر قليل، بل إن بعضهم لم يكن يجيد إلا فهم لهجته البدوية و كان يجد صعوبة في حفظ ‘كلمة سر الليل’ المصرية التي قد يؤدي عدم قولها أمام نقاط التفتيش إلى التعرض لإطلاق النار.
حين تنظر الكويت إلى داخل صدرها ستجد الكثير من أبناءها الذين يستحقون ان تفخر بهم من رجال حرب 1967م، لقد كانوا يعرفون معنى رفقة السلاح فقد ذكر العميد سليمان البرجس أن العريف بجاد سيف وجد عسكريا كويتيا جريحا فاشترى بكل ما يملك ناقة من بدو سينا وحمله عليها لمدة14 يوما حتى وصل به إلى قناة السويس. كما لم يترك أفراد المجموعة احدا من رفاقهم فقد تورمت قدم فهد الأحمد المكسورة وتورمت قدم طبيب المجموعة نفسه ، وكان معهم عسكريا مريضا برتبة وكيل عريف ، بل إن أحدهم كان جريحا من هجمات اليوم الأول فقاموا بصنع نقالة من البنادق والقماش الذي توفر لهم وحملوه عبر سيناء طوال الرحلة .يفصل شرق سيناء عن غربها مرتفعات و من يسيطر على هذه الممرات يسيطر على سيناء.وقد افترض العقيد عبدالله فراج الغانم بعد انفصاله هو ومجموعته عن بقية القوة في العريش أن من الضروري الوصول بسرعة إلى القناة، ولعدم وجود خرائط أو معدات ملاحية قام بدو سيناء بمساعدة القوة للوصول إلى ممرات المتلا والجدي ، لكن الوصول إلى الممرات لم ينهي معاناة الكويتيين فقد وجدوها خوانق تضيق بتراجع القوات المصرية في الاتجاه المعاكس ،حيث أفادوهم بسيطرة القوات الإسرائيلية على قناة السويس، وكان لابد للقوة الكويتية من العودة إلى الضياع في سيناء بدل الوقوع في نار الإسرائيليين، وإن كان عزاءهم الوحيد هو أنهم بقوا متقاربين من بعضهم البعض.
كما وصلت مجموعة أخرى إلى إحدى الواحات وهناك كلف العمدة ابنه ليرشد المجموعة إلى الطريق، وسارت المجموعة مع ابن العمدة بعد التزود بالماء والزاد القليل ، وفي إحدى الليالي وصلت المجموعة إلى الطريق المعبد ، لكنه كان كسيل من الأنوار لاينقطع من كثرة الآليات العسكرية الإسرائيلية ، ولم يكن من السهل اجتيازه بمجموعة يصل عددها إلى 92 رجلا ، وكان لابد من ممارسة اقسي أشكال المهارات العسكرية وهي الزحف والركض لمسافة سبع كيلومترات دون توقف حال انقطاع الرتل الإسرائيلي لفترة وجيزة . ثم أشار ابن العمدة بعد هذا الموقف الصعب إلى ضوء مصباح بعيد قائلا إن ذلك هو مرسى قارب سينقلكم إلى الضفة الغربية من قناة السويس،و كان علي الرجال للوصول إلى ذلك النور الضعيف أن يسيروا من التاسعة مساء إلى الخامسة من فجر اليوم الثاني.
كما قام النقيب عبد الوهاب المزين والجندي محمد حسين بعبور القناة سباحة من الشرق للغرب، وقد كلفهم أمر لواء اليرموك العميد صالح المحمد الصباح بالسباحة مرة أخرى إلى الشرق والعودة إلى سيناء لإبلاغ من يجدونه من بقية أفراد القوة بالتوجه شمالا حيث تنتظرهم المراكب في بحيرة البردويل ، وتم منحهم مكافأة على هذا العمل الجريئ . حيث عبرت المجموعات الكويتية من بحيرة البردويل إلى بور سعيد بواسطة أربع سفن تم إركاب الجنود فيها أولا ثم الضباط.
موقف القيادة الخلفية
على الخطوط الخلفية في مطار فايد كان قائد لواء اليرموك العميد صالح المحمد الصباح في صبيحة يوم 5 يونيو حزيران لايزال يجهز بقية اللواء للالتحاق برفاقهم الذين سبقوهم ، وكان شعورهم في حينها هو الامتعاض من رفاق السلاح المصريين الذين يقومون بمناورات جوية بالذخيرة الحية دون إبلاغ رفاقهم على الجبهة. لكن ذلك الشعور تبدد بعد أقل من ساعة حين أغارت عليهم وهم يسيرون طائرة أمريكية من نوع سكاي هوك تحمل العلم الإسرائيلي وأطلقت عليهم وابل من نيران رشاشها، مما جعلهم يصدرون الأوامر بحفر الخنادق وأخذ المواقع الدفاعية فقد بدأت جولة أخرى من الصراع العربي الإسرائيلي . وبالفعل تعرضوا إلى 12 غارة جوية إسرائيلية في ذلك النهار. ومن المفارقات أن يختار قادة الجيش الكويتي أنفسهم بعد عشر سنوات من ذلك اليوم هذا النوع من الطائرات. من جانب آخر أنطلق المقدم محمد عبد العزيز البدر لتفقد قطار الشحن الثاني الذي غادر وهو يحمل المدافع والآليات، وكان قد عبر جسر الفردان الذي تم قصفه أثناء عبور القطار لكن الأسلحة سلمت من الدمار وتم إنزالها ونشرها بين الأشجار .أرادت القيادة السياسية والعسكرية على أعلى المستويات معرفة مصير لواء اليرموك ، ولتبديد الحيرة تم في اليوم الثاني من الحرب تجهيز عربات نقل محملة بالذخيرة والمواد الغذائية لإسناد القوة المعزولة في مكان ما قرب العريش . وسارت قافلة الإنقاذ الكويتية من فايد إلى القنطرة شرق ، وفي الساعة الحادية عشرة مساء تم إيقاف الرتل من قبل ضباط مصريين نجحوا في إقناع القوة بالتوقف والعودة من حيث أتت، إلا أنهم كانوا بصدد تنفيذ عملية انتحارية طرفيها شاحنات كويتية ضد فرقة مدرعة إسرائيلية .ولم يتعدى أسلوب إقناع المصريين أكثر من الطلب من قائد القوة أن يضع أذنه على الإسفلت ليسمع صوت جنازير الدبابات الإسرائيلية وهي مقبلة. ولم يبدد حالة القلق ألا وصول الملازم فيصل الخترش مرسلا من العقيد عبدالله فراج حيث أبلغهم بسلامة القوة و بخطة العقيد بالانسحاب.
نتيجة تغير الوضع على الجبهة بشكل كبير، طلبت القيادة المصرية في اليوم الثالث من الحرب من القوة الكويتية التي بدأت الحرب قبل تمكنها من دخول سيناء أن تغير مكانها من فايد إلى موقع متقدم على البحيرات المرة. وقد ذهب قائد القوة العميد صالح لاستطلاع الموقع الجديد فوجده مستودع ذخيرة ضخم مبني فوق الأرض،ولم يكن أمامه ألا أن رفض استلام الموقع لخطورته ، ولم يذهب تقديره سدى حيث أغارت الطائرات الإسرائيلية على المستودع عصر اليوم الرابع من الحرب فحولت تلك الليلة إلى نهار استمر إلى صباح اليوم التالي من جراء تواصل الانفجارات. وقد بكي بحرقة العميد المصري خضير الذي كان صاحب اقتراح نقل القوة الكويتية إلى هذا الموقع .
استراحة المحارب في ‘دهشور ‘
نزلت القوة الكويتية التي حملتها المراكب من بحيرة البردويل في بور سعيد وهناك استقبلهم الضباط المصريين بحرارة وحيوهم على تحمل عناء القتال والضياع معهم ، حيث تم نقلهم إلى احد المباني الحكومية وهم في حالة يرثى لها من جراء المسير الطويل . وقد احتاجوا إلى ثلاثة أيام من الراحة وزعت عليهم خلالها الملابس والأطعمة والأدوية ، ثم تم نقلهم إلى نقطة تجمع القوات الكويتية الجديد . وقد تم تخصيص موقع للقوة الكويتية في دهشور بالقرب من القاهرة ، وهناك استقبل العائدون الشيخ العميد صالح الصباح الذي بادرهم بالقول ‘أنا أتحمل المسئولية عما حدث لنا جميعا ‘ ،وقد حيا سرية المغاوير التي يقودها النقيب علي دهيمان الشمري فقد تماسكت السرية ولم تتعرض إلى التشرذم خلال عبور سيناء وعاد أفرادها سالمين بسلاحهم . كما تمت مكافأة النقيب عبد الوهاب المزين والجندي محمد حسين على شجاعتهم كما اشرنا إلى ذلك سابقا.وبعد إعادة تنظيمها رجعت القوة بعد شهر واحد إلى الجبهة وأخذت مواقع لها في جزيرة الفرسان وبحيرة التمساح حيث خاضت معارك حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973م. لقد كان هناك قصور في تقدير الأولويات فقد زجت الكويت بخيرة أبناءها وبما يصل إلى ثلث الجيش الكويتي بسلاحهم إلى الجبهة المصرية بدواعي الأمن العربي المشترك رغم قلة الإمكانيات العسكرية الكويتية، حيث تجاوزت الكويت بقرارات عاطفية تشوبها الرمزية درس أزمة عبد الكريم قاسم التي لم يمض عليها 6 سنوات،وتركت الكويت بلدا مكشوفا أمام العراق،فما كان من نظام البعث ألا الانقضاض على الكويت بعد 6 سنوات في حادثة الصامتة 1973م ، في حين كان جيشنا مرابط على الجبهة المصرية بلواء اليرموك ، و على الجبهة السورية أيضا بقوة الجهراء .