الكويت: الكويت نيوز: عممت وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية خطبة الجمعة الاخيرة ليوم 16 نوفمبر الجاري على مختلف مساجد الكويت وقد اكدت ان مقاصد الشريعة ومصدر تلقي المسلم لدينه عقيدة وشريعة وسلوكا هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وشددت الخطبة التي اعدتها لجنة اعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الامام بقطاع المساجد بوزارة الاوقاف على ان التحليل والتحريم حق مطلق لله وحده، فالحلال ما احله الله والحرام ما حرمه الله، ولقد انكر سبحانه على اقوام جعلوا اهواءهم مصدر التحليل والتحريم، وان من اكبر الجنايات ان يتصدر المرء للخوض في دين الله تحريما وتحليلا من غير علم ولا بصيرة، ولا ريب ان هذا امارة ضعف الايمان وقلة الديانة ونقص المروءة والامانة.
وتناولت الخطبة تدافع الفتوى وذم المسارعة اليها، وكم يرى الغيور نزلاء في حلائب العلم والمعرفة، وهم ليسوا منهما في شيء، ديدنهم الجرأة على الفتوى والتجاسر على التحليل والتحريم، يتكلمون بما لا يعلمون، وهم من اجهل الناس باحكام الشريعة، اذا سمعت احدهم يتكلم فكأنما ينزل عليه وحي يقول وعدم تورعه.
وضربت الخطبة امثلة لما يخالف الحق المبين والتجاسر على الكذب على رب العالمين مثل: تحريف البعض لتلك المفاهيم الشرعية المتعلقة بالبيعة والامامة ليبرر عدم طاعته للحاكم المسلم بدعوى ان الحاكم لا يطبق جميع احكام الشريعة، او قول بعضهم ان المستفيد من هذا البيان هم الحكام، ولا يدعو الى ذلك الا علماء السلطان، وأن هذا الكلام ليس وقته، وغير ذلك من الشبهات التي يثيرها دعاة الفتنة والتأليب على الحاكم المسلم، مخالفين بذلك منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم اجمعين الذين اكدوا على انه حتى وان كان الحاكم يمارس الفساد اصلا، ما جاز لنا الخروج عليه وعدم طاعته.
وأوضحت الخطبة ان اهل العلم جعلوا للمفتي شروطا لابد من توافرها حتى يؤذن له بالفتيا مثل: لابد ان يعرف كيف يفتي ومتى يفتي، اما ما نراه في واقع الناس اليوم من تجاسر المتعالمين على الفتيا، بل تجرؤ الجهلة بالدين على التوقيع عن رب العالمين وهم لا يحسنون قراءة القرآن الكريم ولم يطلعوا على احاديث النبي الامين، فضلا عن فقه وفهم كتاب رب العالمين وسنة سيد المرسلين.
وتناولت الخطبة الثانية اسباب القول على الله بغير علم ومنها ضعف الوازع الديني وقلة الرادع والتقصير في التقوى والايمان والوقوع في مخالفة الواحد الديان وعدم المنهج الصحيح في التلقي والتحصيل اضافة الى داء الشهرة وحب الظهور واستشراء التعالم.
وأشارت الى ان علاج هذا الداء بتقوية الايمان والخوف من الله في النفوس في السر والعلن والسير على المنهج الصحيح في التعلم والاخذ من اهل العلم والرد اليهم للبيان والايضاح.
وفيما يلي خطبة الجمعة التي ستذاع غدا:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد ان محمدا عبده ورسوله (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون) «آل عمران: 102».
أما بعد: فان خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: ان من اعظم مقاصد شريعتنا الغراء، حفظها لدين المكلفين، ومن المسلم لدى اهل الايمان الحق، ان مصدر تلقي المسلم لدينه: عقيدة، وشريعة، وسلوكا، انما هو: كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكما ان لله وحده الخلق والتدبير، فله ـ جل وعلا ـ الامر والنهي.
اخوة الاسلام: كم ترتعد الفرائص، وتوجل القلوب، وترى قسمات الاستنكار في الوجوه، اذا حذر المسلمون من الشرك والقتل، والربا والزنى ونحوها من الكبائر، فاذا كان الامر كذلك ـ يا عباد الله ـ فهل تعلمون ما هو اخطر من ذلك كله، بل ما هو اصل للشرك والكفران، وأساس للبدع والعصيان، ما هو اغلظ وأنكى منها ومن جميع الفواحش والآثام، والجرائم والبغي والعدوان؟ انه اصل الجرائم على الاطلاق، ذلكم هو «القول على الله بغير علم».
فانظروا ـ رعاكم الله ـ كيف قرن الله سبحانه القول عليه بلا علم بالشرك به والبغي، والاثم والفواحش؟ بل لقد جاءت هذه المحرمات الاربع مرتبة على حسب مراتب الشدة فيها على سبيل الترقي، فأهونها اولها، وأخطرها آخرها، ولا عجب، فما الشرك بالله الا ضرب من القول على الله بغير علم.
اخوة الايمان: ان التحليل والتحريم حق الله وحده، فالحلال ما احله الله، والحرام ما حرمه الله، ولقد انكر سبحانه على اقوام جعلوا اهواءهم مصدر التحليل والتحريم، فقال عز من قائل: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب اليم) «النحل: 116 ـ 117».
وان من اكبر الجنايات: ان يتصدر المرء للخوض في دين الله تحريما وتحليلا، من غير علم ولا بصيرة، ولا ريب ان هذا امارة ضعف الايمان، وقلة الديانة، ونقص المروءة والامانة.
اخوة العقيدة: لقد رسم النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده السلف الصالح ـ رحمهم الله ـ المسلك الوضاء في هذه القضية الخطيرة، ديانة وورعا وتثبتا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عما لم ينزل عليه فيه وحي، فينتظر حتى ينزل عليه الوحي، وآيات (يسألونك) في الكتاب العزيز غير قليلة، وهكذا كان الاجلاء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عباد الله: وفي تدافع الفتوى، وذم المسارعة اليها يقول عبدالرحمن بن ابي ليلى ـ رحمه الله ـ: «أدركت عشرين ومائة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان منهم محدث الا ود ان اخاه كفاه الحديث، ولا مفت الا ود ان اخاه كفاه الفتيا» (أخرجه الدارمي وابن عبد البر).
وفي الصحيح من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى اذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» (رواه البخاري ومسلم).
هذا، وكم يرى الغيور نزلاء في حلائب العلم والمعرفة، وهم ليسوا منهما في شيء؟ ديدنهم الجرأة على الفتوى، والتجاسر على التحليل والتحريم، يتكلمون بما لا يعلمون، ويجملون ولا يفصلون، وهم من اجهل الناس في احكام الشريعة، اذا سمعت احدهم يتكلم، فكأنما ينزل عليه وحي، من جزمه فيما يقول وعدم تورعه، ترى احدهم يجيب في عظيم المسائل، مما لو عرض على عمر رضي الله عنه: لجمع له اهل بدر، بل لقد وصل الحال ببعض العوام الى ان يفتي بعضهم بعضا بغير علم، وأصبح الحديث في علوم الشريعة بضاعة كل متعالم، وتكلم بعض الرويبضة، واستطالوا على منازل العلماء، ومقامات العظماء والفقهاء، وعمدوا الى امور من الثوابت والمبادئ، وجعلوها عرضة للتغيير والتبديل، بدعوى تغير الفتوى بتغير الزمان، ووجد من يتنصل من الفتوى بأمور جاء تحريمها مما علم من الدين بالضرورة، وكثر التحايل على الشريعة.
أيها المؤمنون: ان امثلة القول بما يخالف الحق المبين، والتجاسر على الكذب على رب العالمين: كثيرة جدا، منها: ما نراه من تحريف البعض تلك المفاهيم الشرعية المتعلقة بالبيعة والامامة، ليبرر عدم طاعته وانقياده للحاكم المسلم بدعوى ان الحاكم لا يطبق جميع احكام الشريعة، او قول بعضهم: ان المستفيد من هذا البيان هم الحكام، ولا يدعو الى ذلك الا علماء السلطان، وأن هذا الكلام ليس هذا وقته، وغير ذلك من الشبهات التي يثيرها دعاة الفتنة والتأليب على الحاكم المسلم، مخالفين بذلك منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم اجمعين، الذين اكدوا على انه حتى وان كان الحاكم يمارس الفساد اصلا: ما جاز لنا الخروج عليه وعدم طاعته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل: افلا ننابذهم بالسيف؟ قال عليه الصلاة والسلام: «لا، ما اقاموا فيكم الصلاة»، ثم قال: «ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله: فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة» (رواه مسلم عن مسلم بن قرظة رضي الله عنه).
معاشر المستمعين: ان الكذب صفة ذميمة لا يقره مذهب ولا دين، وكلما كان المكذوب عليه اعظم كان الجرم اكبر والخطب اشد، فالذي يكذب على آحاد الناس ليس كالذي يكذب على سيدهم او اميرهم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «ان كذبا علي ليس ككذب على احد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» (أخرجه البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه) فالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم جناية عظمى، فكيف بمن يكذب على الله جل وعلا، فيقول هذا حلال وهذا حرام؟
ولنعلم ـ عباد الله ـ ان اهل العلم جعلوا للمفتي شروطا لابد من توافرها حتى يؤذن له بالفتيا لابد ان يعرف كيف يفتي، ومتى يفتي، اما ما نراه في واقع الناس اليوم من تجاسر المتعالمين على الفتيا، بل تجرؤ الجهلة بالدين على التوقيع عن رب العالمين، وهم لا يحسنون قراءة القرآن الكريم ولم يطلعوا على احاديث النبي الامين عليه افضل الصلاة وأزكى التسليم فضلا عن فقه وفهم كتاب رب العالمين وسنة سيد المرسلين: فانه امر خطير، وذنب كبير، وان المرء ليعجب اشد العجب كيف يستنكر الناس ان يتكلم في شؤون الطب غير الطبيب، ويسمحون ان يتكلم في شؤون الشريعة غير المتخصص فيها، لذا فان الواجب ان يقوم بالفتيا المؤهلون دون المتعالمين، والفقهاء دون الجهلاء، حفظا لدين الامة، وتوحيدا لكلمتها، وضبطا لمسالكها ومناهجها، لتكون مبنية على الكتاب والسنة، بفهم سلف الامة ـ رحمهم الله ـ وبذلك تسلم الامة من غوائل المحن، وبواعث الفتن، وتحصل العصمة من القول على الله بغير علم.
والله المسؤول ان يعصمنا من الزلل، ويحفظنا من الشر والخطل، وأن يرزقنا نافع العلم وصالح العمل، فهذا هو عظيم الرجاء وكبير الامل.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني الله واياكم بما فيه من الهدى والبيان، وثبتنا واياكم على الحق والايمان، ورزقنا اتباع سنة المصطفى من ولد عدنان، اقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ضروب الذنوب والعصيان، فاستغفروه وتوبوا اليه انه هو الغفور الرحمن.
الخطبة الثانية
الحمد لله العلي الكبير، العليم القدير، المتفرد بالخلق والامر والتدبير، وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، نعم المولى ونعم النصير، وأشهد ان نبينا محمدا عبدالله ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، هو للانبياء لبنة تمامهم، وللرسل مسك ختامهم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته النجباء، والتابعين ومن تبعهم باحسان وسار على نهجهم واقتفى.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: (اتقوا يوما ترجعون فيه الى الله) «البقرة: 281»، واعلموا ان خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله: اذا التمست اسباب هذه القضية، وهي: القول على الله بغير علم، فان اهمها: ضعف الوازع، وقلة الرادع، والتقصير في التقوى والايمان، والوقوع في مخالفة الواحد الديان، وعدم المنهج الصحيح في التلقي والتحصيل، اضافة الى داء الشهرة وحب الظهور، واستشراء التعالم، وقعود الاكفاء عن البلاغ والبيان، ولا يمنعن بعض المؤهلين ورع كاذب، وتثبت بارد، من تبليغ ما يعلم من دين الله ـ عز وجل ـ فلا تنافي بين التثبت مما لا يعلم، وتبليغ ما يعلم.
وعلاج هذا الداء: بتقوية الايمان والخوف من الله في النفوس والسير على المنهج الصحيح في التعلم، والاخذ من اهل العلم، والرد اليهم للبيان والايضاح، قال تعالى: (ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) «النساء: 83»، لاسيما في المعضلات.
ومن صور العلاج: القراءة في سير الاسلاف، والتحلي بأدب الخلاف، والتواضع الجم، والورع الصادق، وقبل ذلك وبعده: اخلاص النية لله، وسؤاله التوفيق والتسديد، سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا، انك انت العليم الحكيم.
هذا واعلموا ـ رحمكم الله ـ ان من افضل اعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وأحقها بشفاعة نبيكم صلى الله عليه وسلم: كثرة صلاتكم وسلامكم عليه، كما امركم بذلك ربكم، فقال تعالى قولا كريما: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) «الاحزاب: 56».
اللهم اهدنا لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا انت، واصرف عنا سيئها لا يصرف سيئها الا انت، اللهم انا نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعوة لا يستجاب لها، ونسألك ـ يا ربنا ـ علما نافعا، ورزقا واسعا، وعملا متقبلا، اللهم وفقنا لخير العلم والعمل، وتول امرنا، واجبر كسرنا، وارحم ضعفنا، يا ارحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الاحياء منهم والاموات.
اللهم ربنا أعز الاسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم وفق امير البلاد وولي عهده لهداك، واجعل عملهما في طاعتك ورضاك، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، سخاء رخاء، دار عدل وايمان، وسائر بلاد المسلمين.