2_7_201451534PM_6268873181قال رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في كلمة ألقاها خلال حضوره في احتفالية المصادقة على الدستور الجديد للجمهورية التونسية‎ بدأها بالتهنئة والمباركة بالدستور الجديد بالقول : رسالة مباركة وتهنئة بالانجاز التاريخي الحضاري الذي حققته تونس بإقرار دستورها العتيد، وبإجماع حقيقي تجاوز آفاق التمني. ليمثل على المستوى الوطني أول قطاف ثورة الياسمين، وليشكّل على الصعيدين القومي والإسلامي مَعْلماً مؤرِّخاً لمرحلة جديدة وواعدة في المسيرة الديمقراطية. كما أن أول ما يفرضه علي الواجب، هو أن ابلغ رسالة إجلال وإكبار للشعب التونسي الذي استطاع بإرادته المجاهدة المسالمة ، وبعقيدته السمحة المتألقة ، وسجيته الأبية المنطلقة أن يؤكد تلازماً لا ينفصم بين التنمية والحرية والكرامة. وأن يسقط ما طرحه الطغاة من خيار بين خلودهم أو الانهيار، ليثبت أن العدل شرط الازدهار، وأن التغيير شرط الاستقرار.

وأضاف الغانم : سيبقى يوم 27 يناير 2014، يوماً خالداً في مسيرة الديمقراطية بالعالمين العربي والإسلامي، فهو يوم الدستور التونسي الذي ولد نتاج تلاقي الفكر الوطني المنفتح والسديد مع الفكر الإسلامي الوسطي والرشيد، فجاء- بفضل الله وتوفيقه، وبتصميم الشعب التونسي وثباته – زيتونة لا شرقية ولا غربية، تأبى أن يأخذها جهل اليمين غرباً، وتعصى على أن تجرها جهالة اليسار شرقاً. فيه من جامع الزيتونة رسوخ بنيانه وحكمة رجاله، وفيه من روح خير الدين والشابي وفيصل بركات و نبيل الواعر ورفاقهم شموخ مواقفهم وحداثة فكرهم. وإذا كان البعض يرى في وضوح ورحابة نصوص الدستور الحامية للحريات العامة والشخصية تيار رياح الشمال، فإني وآخرين مثلي نرى في قواعده الإسلامية النيّره إلهام وثيقة المدينة المنورة التي وضعها الرسول الأعظم (ص) سنة هجرته إلى يثرب عام 623 ميلادية. وهي الوثيقة التي يعتبرها المؤرخون المنصفون أول وثيقة دستورية في تاريخ الإنسانية. ولعل التعبير الرائع وغير المسبوق الذي جاء في الفصل السادس من الدستور التونسي الجديد حين تحدث عن ‘حرية الضمير’، وعن ‘منع دعوات التكفير’ خير شاهد على ما أقول حول استلهام وثيقة المدينة المنورة، التي كرست حرية العقيدة الدينية، وأوقفت ثارات الجاهلية.

وزاد الغانم : وتكمن العبقرية الملهمة في الدستور التونسي الجديد باختياره الوسطية، والإنطلاق منها، والتأسيس عليها. وهو اختيار يحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة، وإلى قدر أكبر من العلم، ويحتاج إلى صبر طويل، ومجاهدة مريرة ومديدة للوصول إلى التوافق والاحتواء، وكبح جماح نزعة الإستقواء والإستئثار والإقصاء. والوسطية – بمعنى التوفيق بين متكاملات لا التلفيق بين متباينات – هي الخيار الأصعب، وهي خيار الكبار الذين يقدمون الدين على الطائفة ، ويختارون الوطن قبل الحزب، ويتطلعون إلى الغد بدل التلفّت إلى الوراء.

وقال الغانم : إن إنجازكم الرائع يا أهل تونس لا يعكس رقيكم الإجتماعي والثقافي فقط، ولا يؤكد إيمانكم المنفتح الواثق فحسب، بل هو، إلى فوق هذا وذاك ، يعيد إلينا جميعاً أملنا ، بعد أن كاد التطرف المتشدد أن يخطف من العرب حضارتهم، ويقصي شركاءهم في أوطانهم، ويجرد الإسلام من تقدميته وسماحته ليضعه في خندق معاد لحكم الشعب.

وتابع الغانم : يبقى أن أقول في هذا الصدد أن الدساتير، على سمو مكانتها، تحتاج إلى رعاية دائمة وحماية كاملة، لكي تبقى قادرة على التجاوب مع التحولات الإجتماعية والإقتصادية، وعلى استقراء الأحداث وقراءتها وتوجيهها. فالدستور مرآة للمرحلة والمجتمع والثقافة، ومشوار بناء الدولة صعب طويل، ونعرف جميعاً أمثلة كثيرة عن دساتير إنحرف بها التطبيق عن غاياتها. وإذا كانت أول وظائف الدستور أن يعصم الدولة ويحمي الديمقراطية، فإن موئل الديمقراطية الحقيقي يبقى صدور المواطنين المؤمنين بالحرية، والمتمسكين بالعدالة والكرامة.

وأضاف الغانم : الحضور الكريم ؛ أستميحكم عذراً في أن استبدل ثوب الاتحاد البرلماني العربي بعقال مجلس الأمة الكويتي، لأحكي عن وطني الكويت، الدولة التي مرَّ بها الربيع قبل خمسين عاماً وأكثر، فأزهر و أثمر و طاب له المقام ، فإذا الكويت تفتح شراع الحرية في حكمها و حكومتها و شرعيتها ، و تفتح النوافذ و الأبواب للديمقراطية الدستورية و مؤسساتها ، و للحرية الفكرية و ابداعاتها ، و للتعاون الدولي بأبعاده الإنسانية والإقتصادية و تبعاتها. وقد أدركت الكويت، ومنذ بواكير ثورة الياسمين، أن هذه الثورة ليست شأناً تونسياً فقط، بل هي قضية عربية بامتياز، لأن نجاحها في تحقيق أهدافها سيعطي الوطن العربي كله نموذجاً يبعث حلمه، ويؤكد قدرته، ويشحذ همته وإرادته. أما إذا لم يتحقق ذلك – لا سمح الله – فإن الأنظمة المستعصية على الإصلاح ستصبح أكثر عناداً، وأكثر استبداداً وفساداً.

وختم الغانم بالقول : في الختام لابد و أن أكرر شكري لمعالي رئيس المجلس الوطني التأسيسي للجمهورية التونسية الأخ مصطفى بن جعفر على هذه الدعوة الكريمة التي أتشرف بتلبيتها ، والشكر موصول للشعب التونسي الأبي الذي لم نكن لنجتمع اليوم لولا علو همته و شموخ كبريائه و صلابة إرادته ، يا أهلنا في تونس ؛ لقد اخترتم في ومضة تاريخية تحاكي إشراقة الشمس أو تكاد ، أن تكونوا رواد الإصلاح في الوطن العربي.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *