خلصت دراسة أعدها مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات ، والتي تستند إلى تقارير القطاع النفطي الكويتي الرسمية على مدى عشرين عاما، الى أن وزراء النفط الكويتيين وقياديي مؤسسة البترول الكويتية تحدثوا عن الاستراتيجية النفطية الهادفة لرفع قدرة البلاد الإنتاجية إلى أربع ملايين برميل يوميا من النفط الخام بحلول عام 2020 كهدف رئيسي، من نحو 3 ملايين برميل في 2005، ثم جاء عام 2020، ولم تتحقق الأهداف الاستراتيجية في أهم قطاع اقتصادي في الدولة، ولم تقدم المؤسسة توضيحا للرأي العام أو الأسواق العالمية، بشأن وضع الاستراتيجية والإخفاق فيها، فضلا عن الأسباب والمبررات.
وقالت الدراسة إن الاستراتيجية النفطية التي اعتمدها القطاع النفطي منذ 2011 وهدفت لرفع قدرة البلاد الإنتاجية إلى 4 ملايين برميل نفط يوميا في 2020 من نحو 3.3 ملايين برميل في 2010 لم يتحقق منها شيء، بل على العكس تراجعت قدرة البلاد الإنتاجية إلى 2.9 مليون في 2020 ثم إلى 2.8 مليون في 2021. ولم يكن الحال أحسن في مجال التكرير أو انتاج الغاز، حيث كانت نسب التراجع أكبر.
وقالت الدراسة إنه وللأسف، لم تصدر مؤسسة البترول ولا وزير النفط ولا الحكومة بيانا تقول فيه لماذا أخفقت الاستراتيجية؟ ولماذا لم تتم محاسبة أي مسؤول حكومي كبير أو صغير بسبب هذا الإخفاق المدوي حتى الآن؟
وأشارت الدراسة إلى أنه ومع تولي الشيخ نواف سعود الصباح قيادة المؤسسة في مارس 2022، تزامنا مع الارتفاع الشديد لأسعار النفط ووجود حاجة دولية لزيادة الإنتاج في ظل الحرب الروسية، وهو ما كان سيشكل فرصة قد لا تتكرر لتعظيم إيرادات الدولة لو استعددنا لها. بات على مؤسسة البترول أن تواجه الإخفاق الواضح وأن تعلن عن أسبابه للرأي العام.
أهداف الإستراتيجية
وقالت الدراسة إن الاستراتيجية النفطية التي بدأ الحديث عنها منذ تولي الشيخ أحمد الفهد حقيبة النفط في 2003 ثم تبلورت في بداية العقد الثاني من الألفية الحالية أي عام 2011 في وثيقة التوجهات النفطية لمؤسسة البترول الكويتية حتى 2030 هدفت الى رفع قدرة البلاد الإنتاجية إلى 4 ملايين برميل يوميا من النفط الخام بحلول عام 2020 كهدف رئيسي والاحتفاظ بهذا المعدل حتى 2030، من نحو 3.3 ملايين برميل في 2010، بالإضافة إلى زيادة الطاقة التكريرية لمصافي النفط في البلاد إلى 1.4 مليون برميل من النفط يوميا وفي مجال الغاز الحر غير المصاحب الوصول إلى طاقة إنتاجية قدرها 2.1 مليار قدم مكعبة يوميا بحلول عام 2020 ثم 2.6 مليار قدم مكعبة يوميا بحلول عام 2025 و3 مليارات قدم مكعبة يوميا بحلول عام 2030.
الواقع الفعلي.. ماذا تحقق؟
قالت الدراسة إن الواقع الفعلي يظهر أن مؤسسة البترول الكويتية عجزت طوال العقد الماضي، عن تحقيق أي اختراق كبير في تنفيذ خطتها الاستراتيجية في مجال التنقيب والانتاج، فبدلا من تحقيق زيادة في الطاقة الانتاجية تحولت الكويت إلى ما يمكن وصفه بالنمو السلبي أو التراجع وتآكل القدرة الانتاجية، من 3.3 ملايين برميل يوميا في 2010 إلى 2.9 مليون برميل يوميا في 2020 طبقا لوكالة الطاقة الدولية.
بما يعني أن الكويت لم تتمكن من الحفاظ على وضعها القائم قبل 10 سنوات وإنما فقدت 400 ألف برميل من قدراتها الإنتاجية في تلك الفترة.
واعتبرت الدراسة أن هذه الأرقام تشكل انتكاسة للقطاع النفطي الكويتي لا مفر لمؤسسة البترول الكويتية وقياداتها من الاعتراف بها، وتشير الدراسة إلى أن التقديرات الكويتية جاءت قريبة من أرقام وكالة الطاقة الدولية، فطبقا لتقرير شركة نفط الكويت لسنة 2019 – 2020 الذي يقيس الطاقة الإنتاجية، كما في نهاية مارس 2020 تقول الشركة إنها حققت طاقة إنتاجية تقدر بنحو 2.806 مليون برميل من النفط يوميا، وإذا أضفنا لهذا الرقم 160 ألف برميل يوميا هي حصة الكويت من إنتاج المنطقة المقسومة التي بلغ انتاجها في تلك السنة 320 ألف برميل يوميا طبقا لتصريح الجانب الكويتي، فإن إجمالي الطاقة الانتاجية للكويت تكون 2.966 مليون برميل يوميا.
اللافت أن الأرقام الرسمية لشركة نفط الكويت في تقريرها السنوي للسنة التالية 2020 – 2021 تعطي طاقة إنتاجية أقل بنحو 111 ألف برميل من النفط الخام، بما يعني أن حصيلة الطاقة الانتاجية للكويت في مارس 2021 بلغت 2.789 مليون برميل يوميا، أي أقل بأكثر من نصف مليون برميل مما كان عليه الوضع في 2010، وأقل بأكثر من مليون و200 ألف برميل عما كان مستهدفا في الاستراتيجية.
إنتاج الغاز الحر
وعلى صعيد الطاقة الإنتاجية للغاز الحر غير المصاحب، لم تكن الصورة أفضل، فقد بلغت الطاقة الإنتاجية 490 مليون قدم مكعبة يوميا في مارس 2020، طبقا لتقرير شركة نفط الكويت بدلا من الوصول الى 2.1 مليار قدم مكعبة يوميا، أي أن الإنجاز بلغ نحو 23% فقط.
وعلى صعيد التكرير والتصنيع، جاء عام 2020 والقوة التكريرية للكويت في أضعف حالاتها. تم إغلاق مصفاة الشعيبة في 2017 لتنخفض الطاقة التكريرية للبلاد بمقدار 200 ألف برميل يوميا من 936 ألفا إلى 736 ألفا، ومع تأخر إنجاز مشروع مصفاة الزور أصبحت الكويت بحاجة لاستيراد زيت الوقود والبنزين.
وما زاد الأمر صعوبة أن إغلاق مصفاة الشعيبة جاء في الوقت الذي كانت مصفاة الأحمدي وميناء عبدالله في خضم عملية تطوير كبرى بدأت في أبريل 2014 بكلفة 15.5 مليار دولار فيما عرف بمشروع الوقود البيئي، الذي تأخر إنجازه نحو أربع سنوات، وافتتح في مارس 2022 بدلا من أبريل 2018.
الموقف الحالي لصناعة التكرير في الكويت في مايو 2022 هو القدرة على تكرير 800 ألف برميل فقط من النفط يوميا بعد تشغيل مشروع الوقود البيئي الذي استمر العمل فيه ثماني سنوات.
أي أن الهدف الذي كان محددا للوصول إلى 1.4 مليون برميل يوميا تم إنجاز 57% فقط منه، كما أن الطاقة التكريرية للبلاد انخفضت من 976 ألف برميل في 2010 إلى 800 ألف في 2022. أي بانخفاض نسبته 18%. صحيح أن نوعية المنتجات تغيرت وأصبحت أفضل ومواكبة للاشتراطات العالمية إلا أن هناك كلفة عالية لهذا التأخير سنتحدث عنها لاحقا.
مصفاة الزور ومأساة التأخير
قالت الدراسة إن مشروع مصفاة الزور الذي بلغت تكلفته نحو 16 مليار دولار، تم إقراره من المجلس الأعلى للبترول في 2004 وتم توقيع عقوده وبدأ العمل فيه اعتبارا من 2015 ولم يفتتح بعد، رغم أن افتتاحه كان مقررا في 2019، وهو يشكل نموذجا لعدم إدراك أهمية عنصر الزمن في تنفيذ المشاريع، فقد كان مقررا لهذه المصفاة أن توفر للبلاد مصدرا آمنا وثابتا لتغطية احتياجات وزارة الكهرباء والماء من زيت الوقود النظيف LSFO ذي المحتوى الكبريتي المنخفض الذي تقل نسبة الكبريت فيه عن 1% وبإنتاج قدره 225 ألف برميل يوميا من أجل إنتاج الكهرباء والماء.
لكن ومع تأخر إنجاز المشروع، تغيرت الأوضاع العالمية والإقليمية لأسواق الغاز الطبيعي الذي يعتبر بديلا أفضل في إنتاج الكهرباء، اقتصاديا وبيئيا، من زيت الوقود الذي توفره المصفاة، ما نتج عنه اتجاه وزارة الكهرباء إلى الاعتماد على الغاز الطبيعي في محطاتها، بل وبناء مشروع محطة دائمة لاستيراد الغاز المسال LNG، أحد أكبر مرافق استيراد الغاز المسال في العالم، بكلفة 1.1 مليار دينار، وهو ما يعني عمليا الاستغناء عن زيت الوقود الذي تم بناء المصفاة لإنتاجه، وبالتالي فقد مشروع المصفاة جزءا أساسيا من أهميته وأصبحت جدواه الاقتصادية محل شك.
تداعيات التأخير
وقالت الدراسة إن عامل الزمن لم يول الاهتمام المناسب من قبل مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها التابعة، حيث التأخير في إنجاز المشاريع يستغرق سنوات وسنوات. وترصد الدراسة بعض التداعيات والنتائج الطبيعية والمتوقعة لمثل كهذا استراتيجية وأهمها:
٭ تأخير المشاريع يؤدي إلى تضييع سمعة الدولة لدى الدول والشركات العالمية المستوردة التي تحتاج شريكا موثوقا به يمكن البناء على خططه وتوقعات مشروعاته.
٭ ضياع فرص إيرادات وأرباح كان يمكن تحقيقها في حال تشغيل المشروع، وطبقا لتقدير ديوان المحاسبة 2020-2021 فإن قيمة الإيرادات غير المحققة نتيجة تأخر مشروع مصفاة الزور على سبيل المثال لمدة تقل عن 3 سنوات حتى مارس 2022 بلغت نحو 26.3 مليار دولار، كما أن الأرباح غير المحققة نتيجة تأخر مشروع الوقود البيئي 3 سنوات مالية حتى 31 مارس 2021 بلغت نحو 208 ملايين دولار أميركي ولاشك أن هذه الأرقام زادت بعد مرور عام إضافي.
٭ تحمل القطاع النفطي نفقات أعلى من الكلفة المقدرة، بسبب مصاريف التأمين والخدمات واستغلال الأراضي وغير ذلك.
٭ تتعرض المشاريع نتيجة للتأخير في إنجازها لأسعار جديدة للمواد الخام والخدمات غير المقدرة في ميزانية المشروع الأولية، نظرا لعوامل التضخم الطبيعية في الاقتصاد، وهو ما يؤدي إلى مزيد من الإنفاق على المشروع وبالتالي تقليل العائد منه كما يؤدي إلى ارتفاع كلفة أجور الموظفين وتدريبهم وكذلك عقود الصيانة دون أن يكون هناك إيراد حقيقي نتيجة لتأخر تشغيل المشروع.
٭ استمرار الكويت في الاعتماد على الخارج في توفير المواد التي كان يفترض أن توفرها هذه المشاريع، وعلى سبيل المثال يرصد تقرير ديوان المحاسبة 2020-2021 أن الكويت استوردت البنزين بقيمة 1.2 مليار دولار نتيجة تأخر مشروع الوقود البيئي 3 سنوات مالية حتى 31 مارس 2021.
٭ ارتفاع كلفة فوائد التمويل، دون أن تكون هناك عوائد حقيقية للمشروع.
٭ زيادة الأوامر التغييرية مع المقاولين، اي إنفاق المزيد من الأموال على المشروع وانحرافه عن ميزانيته المقدرة.
إستراتيجية 2040 والقفز للأمام!
أوضحت الدراسة أنه ومع اقتراب سنة 2020 دون تحقق الأهداف، بدأ المسؤولون النفطيون يعتمدون سياسة القفز إلى الأمام، حيث ظهر إلى السطح مصطلح استراتيجية 2040 بدلا من 2020 أو 2030، دون تمهيد أو دراسات معلنة أو أي توضيح للرأي العام حول أسباب وملابسات تمديد الخطة لعشر سنوات إضافية.
وفي يناير 2018 وقف نزار العدساني الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية آنذاك ليعلن أكبر خطة للإنفاق على القطاع النفطي في تاريخ البلاد، قائلا إن الكويت تستهدف إنفاق ما يقرب من نصف تريليون دولار على المشاريع النفطية حتى عام 2040، وقال العدساني ان الاتجاهات الاستراتيجية لشركة نفط الكويت تسعى إلى تحقيق طاقة إنتاجية من النفط الخام في الكويت تبلغ نحو 4.75 ملايين برميل يوميا بحلول 2040، مشيرا إلى أن المؤسسة تخطط لزيادة القدرة التكريرية للمصافي المحلية لتصل إلى مليوني برميل يوميا بحلول 2035.
وبهذا، تم تمديد الفترة الزمنية لاستراتيجية الكويت النفطية 20 عاما إضافية، وتمت زيادة الطاقة الإنتاجية المستهدفة بنحو 750 ألف برميل يوميا عن الاستراتيجية السابقة التي لم يتحقق منها شيء في هذا المجال.
ولم توضح مؤسسة البترول الكويتية لا قبل 2020 ولا بعدها ما إذا كان التأخر في إنجاز هدف 2020، ووقوف البلاد عن 2.9 مليون برميل يوميا بدلا من 4 ملايين سيعني تغييرا مماثلا في استراتيجية 2040، بمعنى هل سيظل هدفها كما هو 4.750 ملايين برميل يوميا أم ستتقلص أهدافها إلى ما دون أربع ملايين مثلا أو حتى عند 3 ملايين فقط؟
نظرة على مستقبل النفط الكويتي
انتهت الدراسة إلى أن النفط الذي يمثل شريان الحياة للاقتصاد الكويتي، ويمدها بنحو 90% من إيرادات الموازنة العامة، يتراجع سنة بعد سنة دون توضيح من القائمين على مؤسسة البترول الكويتية حول ملابسات هذا التراجع والنمو السلبي للقطاع، وكأن استراتيجية 2020 قد تبخرت في لحظة.
وأوضحت أنه على مدى أكثر من عامين منذ دخول 2020 وما تلاه، لم تعقد مؤسسة البترول الكويتية مؤتمرا صحافيا ولم يفتح مسؤولوها النقاش مع الإعلاميين أو حتى مع النواب في مجلس الأمة، حول أسباب هذا الاستنزاف للثورة النفطية.
وأكدت أن عدم تحقق الاستراتيجية النفطية يعني تضييع الفرص التاريخية في ظل تعطش أسواق النفط العالمية لأي كميات إضافية حاليا، لاسيما بعد حرب روسيا على أوكرانيا وحاجة العالم لتعويض النفط الروسي، فإذا كان لدى الكويت مخزون نفطي يكفي لـ 100 عام قادمة، فليس هناك أي ضمانة بأن العالم سيظل يستخدم النفط حتى نفاد هذه الكمية، فقد فرضت الحرب الروسية على أوكرانيا واقعا جديدا وألجأت دول أوروبا لخيارات كانت مستبعدة، وهو ما قد يفرض خيارات جديدة تماما على واقع سوق الطاقة العالمي برمته على المدى المتوسط والبعيد.
وقد تلجأ الدول المستهلكة الى خيارات كانت لا تتواكب مع مصالح الكويت مثل اللجوء للطاقة النووية أو طاقة الرياح أو الشمس، لاسيما في ظل الاهتمام المتزايد بقضايا البيئة في العالم.
وهذا قد يعني أن الثروات النفطية غير المستغلة في الوقت المناسب قد يأتي عليها وقت لا تستخدم فيه أبدا ولا يكون العالم بحاجة إليها.
الوضوح والشفافية مطلوبان!
قالت الدراسة إن مؤسسة البترول الكويتية تحتاج لأن تكون أكثر شفافية وأكثر وضوحا في ظل قيادتها الجديدة وأن تتواصل بشكل أكبر مع الصحافة المحلية والعالمية، وأن تجيب عن الأسئلة التي يطرحها الجميع حول أسباب تعثر الاستراتيجية النفطية السابقة، والحلول المطروحة للتغلب على العقبات القديمة والجديدة، وأن تعدل استراتيجيتها لعام 2040 في ضوء الواقع الفعلي للصناعة النفطية للبلاد، وأن توفر الموارد المالية الكافية لتنفيذ الخطط الجديدة، لا أن تتعامل معها ذات التعامل السابق الذي لم تجن منه البلاد سوى السراب.
اترك تعليقاً