دعا السكان الأصليون في كندا حكومة بلادهم إلى الكشف عن سجلات الحضور في المدارس الداخلية للمساعدة في تحديد هوية الموتى في القبور التي لا تحمل شواهد.
وكانت مجموعة الأمة الأولى (تيكاملوبس شوسواب) قد أعلنت في مايو/أيار الماضي عن اكتشاف 215 قبرا بدون شواهد بالقرب من مدرسة، كاملوبس إنديان ريزيدنشيال، وهي مدرسة داخلية في مقاطعة بريتيش كولومبيا، وتم إغلاقها نهائيا عام 1978.
وتمثل مجموعة الأمة الأولى إحدى أكبر المجموعات العرقية المتبقية من أمة شوسواب الهندية القديمة، التي كانت تستوطن بريتيش كولومبيا قبل استعمارها.
وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو عقب ذلك الاكتشاف: “إن ذلك الاكتشاف يمثل تذكيرا مؤلمابعهد مخجل من تاريخ بلادنا”.
المزيد من القبور
وقالت مجموعة الأمة الأولى، التي قدمت التقرير الكامل الخميس، إنها تتوقع العثور على المزيد من القبور مع استمرار البحث.
وساعد الاكتشاف المبكر لعظام الأطفال في توجيه البحث.
وقد أثارت النتائج الأولية لعملية البحث التي تقوم بها مجموعة الأمة الأولى مراجعة وطنية حول تراث كندا المتعلق بالمدارس الداخلية. وفي الأشهر التي تلت الاكتشاف الأول في مايو/ أيار الماضي، ارتفع عدد تلك القبور التي لا تحمل شواهد في جميع أنحاء البلاد إلى أكثر من 1100.
وكانت تلك المدارس الداخلية الممولة من الحكومة جزءاً من سياسة لمحاولة استيعاب أطفال السكان الأصليين وتدمير ثقافات ولغات السكان الأصليين.
وكانت مدرسة كاملوبس الداخلية في مقاطعة كولومبيا البريطانية هي الأكبر في البلاد، وكانت قد افتتحت المدرسة تحت إدارة الروم الكاثوليك في عام 1890، وكان بها نحو 500 طالب حتى تم إغلاقها في عام 1978.
وقالت إيفلين كاميل، الناجية من مدرسة داخلية: “لقد تم بناء المدارس الداخلية خصيصا لإخراج الروح الهندية منا”. وأضافت قائلة إنها أصبحت تخجل من هويتها “هذا ما علمتني إياه المدارس الداخلية”.
وقد حددت فرق المسح الأرضي أكثر من 200 موقع لقبور محتملة. وقالت سارة بوليو، المتخصصة في عمليات المسح الأرضي والتي عرضت النتائج: “من المحتمل جدا أن يكون هناك عدد من المقابر البشرية في المنطقة المحيطة بمدرسة كاملوبس الداخلية، وهذا التحقيق بالكاد خدش القشرة الخارجية”.
وقالت بوليو إنه تم اختيار منطقة البحث بعد استدعاء شيوخ مجموعة الأمة الأولى أطفالاً، بعضهم لا تزيد أعمارهم عن ستة أعوام، وطُلب منهم الحفر فيها.
وناشدت روزان كازيمير، رئيسة مجموعة الأمة الأولى (تيكاملوبس شوسواب)، كلا من الحكومة الفيدرالية والكنيسة الكاثوليكية الإفراج عن سجلات الحضور في المدرسة للمساعدة في التعرف على الرفات.
وقالت إن توفير السجلات سيكون “خطوة أولى” في المساعدة في التحقيق.
وأضافت قائلة: “لسنا هنا من أجل الانتقام بل نحن هنا من أجل الحقيقة”.
تشير تقديرات قادة السكان الأصليين إلى وفاة أكثر من 6 آلاف طفل في المدارس الداخلية لأسباب مثل المرض أو الحوادث أو الانتحار.
وغالبا ما كانت تحفظ السجلات في المدارس الداخلية عندما يموت هؤلاء الأطفال الفقراء ولم يكن يتم دائما تسجيل اسم الطفل أو جنسه أو سبب الوفاة. وكانت الممارسة الشائعة هي عدم إرسال الجثث إلى الأهالي. وقد تم دفن العديد من الأطفال في قبور مهملة.
وحتى يومنا هذا، لا توجد صورة كاملة لعدد الأطفال الذين ماتوا في المدارس الداخلية أو ظروف وفاتهم أو مكان دفنهم.
وقالت المجموعة نفسها في منطقة كوسيس إنها عثرت على 751 قبراً لمجهولين في مدرسة مماثلة في منطقة ساسكاتشيوان، وكانت مدرسة ماريفال الداخلية الهندية تخضع أيضا لإدارة الكنيسة الكاثوليكية.
وتعمل مجموعة الأمة الأولى مع المتخصصين في المتاحف ومكتب الطب الشرعي لتحديد أسباب وتوقيت وفيات الأطفال، والتي مازالت مجهولة حتى الآن.
انتهاكات وقضايا
وكانت الحكومة الفيدرالية قد أقرت بحدوث انتهاكات لطلاب تلك المدارس في عام 1998. وفي أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2019 تم كشف النقاب عن أسماء 2800 طفل توفوا في تلك المدارس الداخلية عندما كشف المركز الوطني للحقيقة والمصالحة، بالشراكة مع شبكة تلفزيون السكان الأصليين، عن سجل تذكاري وطني، وكتبت جميع الأسماء البالغ عددها 2800 على لفيفة حمراء بلغ طولها 50 مترا.
وكانت الحكومة الكندية قد أقامت 130 مدرسة داخلية في عدد من المناطق النائية لاستقطاب السكان الأصليين في البلاد ودمجهم في المجتمع.
ولكن الآلاف من هؤلاء الأشخاص قالوا إنهم تعرضوا لإيذاء جسدي وجنسي على مدى عقود من الزمان.
وكان دوام التلاميذ في المدارس إجباريا، وجرى انتزاع الأطفال من أسرهم، كما منعوا من التحدث بلغتهم الأصلية.
كما روى أولئك الذين أُلحقوا بها ذكرياتهم عن تعرضهم للضرب عندما كانوا يتكلمون لغاتهم الأصلية وفقدانهم الصلة بآبائهم وثقافتهم.
ومنذ عام 2007 توصلت الحكومة الكندية لتسويات مع الآلاف من الناجين الأحياء، ودفعت أكثر 2.3 مليار دولار على شكل تعويضات، فيما تعتبر أكبر تسوية دعاوى جماعية في التاريخ الكندي.
وكان 15 ألف مواطن كندي من هؤلاء المتضررين قد رفعوا دعاوى قضائية ضد الجهتين المسؤولتين عن تلك المدارس في كندا وهما الحكومة والكنيسة.
تسلسل زمني لهذه القضية:
في عام 1883:
صرح السير جون ماكدونالد أول رئيس وزراء كندي بقيام نظام مدرسي داخلي أنشأته الكنائس المسيحية والحكومة الفيدرالية بهدف استيعاب السكان الأصليين في كندا. وكانت تلك المدارس إلزامية تديرها الحكومة والسلطات الدينية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، بهدف السيطرة على شباب السكان الأصليين وتغيير معتقداتهم وأفكارهم بالقوة.
بداية من 1863 إلى 1998، نُقل أكثر من 150 ألف طفل من أبناء الشعوب الأصلية إلى هذه المدارس بعيداً عن عائلاتهم.
لم يُسمح للأطفال في كثير من الأحيان بالتحدث بلغتهم الأصلية أو ممارسة ثقافتهم، وتعرض الكثير منهم لسوء المعاملة والإيذاء.
في عام 1920:
أصبحت المدارس الداخلية إلزامية للأطفال من سن السابعة إلى الخامسة عشرة. في نهاية المطاف تم انتزاع حوالي 150 ألف طفل من أسرهم.
وتعد مدرسة، كاملوبس إنديان ريزيدنشيال، الأكبر في هذا النظام التعليمي. وافتتحت المدرسة تحت إدارة الروم الكاثوليك في عام 1890، وكان بها ما يصل إلى 500 طالب عندما بلغ التسجيل ذروته في الخمسينيات من القرن الماضي.
وتولت الحكومة المركزية إدارة المدرسة في عام 1969، وخصصتها كمسكن للطلاب المحليين حتى إغلاقها في عام 1978.
في ستينيات القرن الماضي:
بدأ نظام المدارس الداخلية في التلاشي، وقد تم إغلاق المدرسة الأخيرة في عام 1996. وكان موراي سينكلير الرئيس السابق للجنة الحقيقة والمصالحة الكندية قال إن نحو 6 آلاف طفل ماتوا في تلك المدارس لأسباب مثل المرض أو الإهمال أو الحوادث كما أن الاعتداء الجسدي والجنسي كان شائعا أيضا فيها. ولا توجد حتى الآن صورة كاملة لعدد الأطفال الذين ماتوا أو مكان دفن الكثير منهم.
في عام 2008:
وجدت لجنة أُطلقت في عام 2008 لتوثيق آثار هذا النظام أن أعدادا كبيرة من أطفال السكان الأصليين لم يعودوا أبدا إلى مجتمعاتهم المحلية.
ويوثق مشروع الأطفال المفقودين حالات وفاة ودفن الأطفال الذين ماتوا أثناء ارتيادهم المدارس. وقد تبين حتى الآن، أن أكثر من 4100 طفل ماتوا أثناء التحاقهم بمدرسة داخلية، بحسب ما جاء في التقرير.
وقد أصدر رئيس الوزراء الكندي حينئذ ستيفن هاربر اعتذارا رسميا عن نظام المدارس الداخلية والتي كان قد وصل عددها لأكثر من 130 مدرسة. وقال: “نحن ندرك اليوم أن سياسة الاستيعاب هذه كانت خاطئة وتسببت في ضرر كبير وليس لها مكان في بلدنا”.
في عام 2015:
أصدرت لجنة الحقيقة والمصالحة الكندية تقريرها النهائي حول إرث المدارس الداخلية وووصفت السياسة المركزية وراء ذلك النظام بأنها سياسة “إبادة جماعية ثقافية”. وأوصت بتوفير التمويل للعثور على مواقع الدفن وإحياء ذكرى الأطفال الذين ماتوا بعيدا عن ذويهم.
في عام 2017:
طالب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو البابا فرانسيس بابا الفاتيكان بالاعتذار بسبب دور الكنيسة الكاثوليكية في نظام المدارس الداخلية. وكانت لجنة “الحقيقة والمصالحة” في كندا قد طالبت باعتذار البابا كجزء من عملية لمداواة الناجين.
في عام 2020:
أزال نشطاء في مونتريال تمثالا لأول رئيس وزراء كندي السير جون ماكدونالد، الذي ارتبط بالسياسات القاسية التي قتلت العديد من السكان الأصليين في أواخر القرن التاسع عشر.
وكان ماكدونالد رئيسا لوزراء كندا لمدة 19 عاما في الستينيات والتسعينيات من القرن التاسع عشر وهو معروف بسياساته الخاصة ببناء الأمة، لكنه وضع أيضا نظام المدارس الداخلية.
في عام 2021:
أعلنت مجموعة الأمة الأولى (تيكاملوبس شوسواب) عن اكتشاف 215 قبرا بدون شواهد بالقرب من مدرسة، كاملوبس إنديان ريزيدنشيال، وهي مدرسة داخلية في مقاطعة بريتيش كولومبيا، وتم إغلاقها نهائيا عام 1978.
وقالت جماعة الأمة الأولى إنه تم العثور على الرفات بمساعدة جهاز رادار يكشف ما في باطن الأرض أثناء عمل مسح خاص للمدرسة.
وقالت روزان كازيمير: “على حد علمنا، هؤلاء الأطفال كانوا مفقودين ويمثلون وفيات غير موثقة”. “ولم تتجاوز أعمار بعضهم ثلاث سنوات”.
وأضافت: “لقد بحثنا عن طريقة للتأكد مما حدث لهم، من منطلق الاحترام العميق والحب لأولئك الأطفال المفقودين وعائلاتهم، واستيعاب أن مدرسة كاملوبس هي مكان الراحة الأخير لهؤلاء الأطفال”.
وكان هذا الكشف قد أثار الكثير من الصدمة والحزن والندم. وقالت وزيرة علاقات السكان الأصليين الكندية كارولين بينيت، إن المدارس الداخلية جزء من سياسة استعمارية “مخزية”. وقالت إن الحكومة ملتزمة “بإحياء ذكرى الأرواح البريئة المفقودة”.
وكتب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو تغريدة قال فيها: “إن أنباء العثور على رفات بشرية في مدرسة كاملوبس الداخلية السابقة تحطم قلبي”.
وطالب ترودو الكنيسة الكاثوليكية بـ “تحمل المسؤولية” عن دورها في المدارس الداخلية للسكان الأصليين.
وقال ترودو في تصريحات صحفية: “ككاثوليكي، أشعر بخيبة أمل شديدة إزاء الموقف الذي اتخذته الكنيسة الكاثوليكية الآن وعلى مدى السنوات العديدة الماضية”.
وقال ترودو إنه خلال زيارته للفاتيكان في مايو/أيار 2017 طلب اعتذارا رسميا من البابا فرنسيس عن إساءة معاملة التلاميذ، كما طلب أيضًا الوصول إلى سجلات الكنيسة للمساعدة في معرفة مصير أكثر من 4100 تلميذ يعتقد أنهم ماتوا بسبب المرض أو سوء التغذية، مضيفًا أنه “ما زال يرى مقاومة من الكنيسة”.
ولدى سؤاله عما إذا كانت الحكومة تفكر في اتخاذ إجراءات قانونية للوصول إلى السجلات، قال ترودو “أعتقد أنه إذا لزم الأمر، سنتخذ إجراءات أقوى”.
يذكر أن سكان كندا الأصليين، الذين يناهز عددهم 1.4 مليون نسمة ، يعانون من مستويات مرتفعة من الفقر، كما تقل معدلات أعمارهم عن المعدل العام لدى الكنديين.