يرصد الخبير الفلكي عادل المرزوق طريقة اعتماد عرب شبه الجزيرة العربية في تقويمهم على حركة القمر والسنة الهجرية، وكيف أنهم أجروا تعديلات على التقويم المعتمد في الهند ليتماشى مع أسلوب حياتهم. فإلى التفاصيل:
أنت تعلم عزيزي القارئ وهذا أمر لا يخفى عليك أنه وحتى قبل الإسلام بمئات السنين كان عرب شبه الجزيرة العربية يعتمدون اعتمادا كليا في تقويمهم على حركة القمر وعلى السنة القمرية أو كما نسميها اليوم بالسنة الهجرية والتي مدتها كما تعرف هي 354 يوما، أي أنها أقصر بمدة 11 يوما عن السنة الشمسية والتي مدتها 365.25 يوما والتي نسميها بالسنة الميلادية.
ففي صورة مبسطة أوضحها لك أنت تلاحظ أن تقريبا كل 15 سنة نرى وعلى سبيل المثال شهر رمضان المبارك نراه في فصل الشتاء وبعد 15 سنة ثانية نراه في فصل الصيف وهذا نتيجة قصر مدة السنة القمرية 11 يوما عن السنة الشمسية، ولذلك نرى أن الشهر القمري أو الشهر الهجري أقل من الشهر الشمسي أو الشهر الميلادي بمدة 0.916 وهي تعادل 1418 دقيقة من اليوم الذي طوله 24 أي طول اليوم بالدقائق 1440 دقيقة.
وهي تعادل فترة نقص زمنية مقدارها 22 دقيقة تقريبا من اليوم وهذه الفترة الزمنية التي هي 0.916 هي أقل من 24 ساعة التي هي مدة طول اليوم وهذه المدة الزمنية خلال سنة ميلادية أو 12 شهرا شمسيا تشكل مدة 11 يوما.
كما نلاحظ أيضا أن القمر يتأخر في شروقه في اليوم الواحد بمدة زمنية تبلغ (51 دقيقة و26 ثانية) أي أن القمر يتأخر في الساعة الواحدة بمدة زمنية تبلغ 2.23 دقيقة.
ونتيجة لهذا النقص في المدة الزمنية بين السنوات الميلادية والسنوات الهجرية، اضطر أهل البادية وأهل البحر بالاستعاضة عن السنوات الهجرية حسبما نقول في العادة والتي استخدمت لدواع دينية بحتة مثل صيام شهر رمضان وعيد الفطر في شهر شوال والحج في شهر ذي الحجة والمولد النبوي الشريف في شهر ربيع الأول وذكرى الإسراء والمعراج في شهر رجب وغيرها من مناسبات دينية ولذلك تحتم عليهم التمسك بالتقويم الهجري غير الدقيق فلكيا.
فعندما وصل رجال شبه الجزيرة العربية في تجارتهم إلى الهند منذ مئات السنين وجدوا أن الهنود يستخدمون في تقويمهم حسابا لم يعهدوه من قبل، حيث إن هذا التقويم خال من الشهور ويعتمد فقط على اليوم والسنة ومن دون شهر ويعتمد أيضا على الحساب العشري فوجدوا فيه بساطة وسهولة لتعلمه، حيث أجروا عليه تعديلات تتماشى مع أسلوب حياتهم التي تعتمد على الشهر، حيث تم تقسيمه إلى 36.5 درا وجعل من كل در مدته 10 أيام وكل 3 درور شهر كامل مدته 30 يوما.
وجعلوا حساب الدرور كما يسميه أهل البحر بالنيروز الهندي يبدأ في اليوم 353 من دلوق نجم سهيل أي مع بداية نوء النثرة والذي يسمى أيضا بالكليبين والذي هو قبل بداية نوء الطرفة أو دلوق سهيل بمدة 13 يوما والذي يكون في اليوم 11 من شهر أغسطس وهو الشهر الثامن وفق التقويم العربي للسنة الشمسية أو السنة الميلادية.
فمثلا كيفية احتساب الأيام وفق حساب الدرور
1- مدة السنة في حساب الدرور أو الحساب البحري هي مدة السنة الشمسية والتي تبلغ مدتها 365.25 يوما.
2- تقسم السنة إلى (36.5) ستة وثلاثين درا ونصف الدر.
3- كل (10) عشرة أيام يطلق عليها اسم در.
4- فيقال در العشرة (أي عشرة أيام) ثم در العشرين أي 20 يوما ثم در الثلاثين وهكذا حتى يصل إلى الدر الـ 100 وتسمى هذه عشرة الدرور الأولى.
5- يدخل في حساب در المائة يوم الثانية فيقال در العشرة ودر العشرين ولا يقال الدر الحادي عشر أو الدر الثاني عشر وهكذا حتى در المائة الثانية.
6- ويكرر الحساب بنفس الأسلوب وبنفس الطريقة للـ 100 يوم الثالثة وكذلك نفس الأسلوب لـ 65 يوما الباقية.
7- فلو كان التاريخ هو يوم 15/9 وهو اليوم 36 من النيروز الهندي فيقال (نحن في السادس من الثلاثين) بدون ذكر رقم الدر وهو الدر الثالث أي يعد اليوم أولا ثم يذكر رقم الدر بعد ذلك.
8- فلو كان التاريخ 1/12 وهو اليوم 113 الثالث عشر بعد الـ 100 الأولى فيقال (نحن في الرابع من العشرين) أو يقول (اليوم رابع من العشرين).
9- فلو كان التاريخ 1/4 وهو اليوم 234 الرابع والثلاثون بعد المائة الثانية فيقال (نحن في الخامس من الأربعين) أو يقول (اليوم الخامس من الأربعين).
وهكذا وبتواريخ أصبحت ثابتة لا تتغير في كل سنة ووفق حسابهم البحري الذي يستخدم الحساب العشري الذي يستخدم كل عشرة أيام در، حيث وجدوا فيه تقويما أسهل بكثير من حساب الأنواء وحساب السهيل الذي يعتمد على حركة القمر واقترانه بالنجوم طوال السنة.
ولكن بالنسبة إلى حساب الأنواء أو حساب منازل القمر أو كما يسمى شعبيا عند أهل الديرة وأهل البحر (حساب أهل البر) وبسبب صفاء الجو وندرة الغيوم في سماء المنطقة العربية الصحراوية ووضوح رؤية القمر والنجوم في هذه السماء استخدم رجال الجزيرة العربية القدماء القمر وجعلوا له مواقع في السماء يقترن فيها بالنجوم وسموا هذه المواقع في السماء بمنازل القمر واستخدمت هذه المنازل كتقويم شمسي أو سنة شمسية وسميت بعدة أسماء منها حساب السهيل أو حساب منازل القمر أو حساب الأنواء هذه الحسابات كلها القصد منها تقليص الفارق بين التقويم الهجري (وهو التقويم الذي يعتمد على حركة القمر) والتقويم الميلادي (وهو التقويم الذي يعتمد على حركة الشمس) وجعلوا بداية هذا التقويم يكون مع بداية دلوق نجم السهيل أو نوء الطرفة والذي حدد بعد استخدام السنة الميلادية في يوم الرابع والعشرون من شهر أغسطس (24/8) من كل عام، حيث تم رصد النجوم التي يقترن بها القمر في فترة مسيرته التي مدتها سنة شمسية كاملة فبلغت 28 موقعا والتي سميت منزلة من منازل القمر أو نجم من النجوم التي يقترن بها القمر.
لقد كان العرب القدماء يعتبرون أن لكل نجم أو نوء حالة من الطقس معينة تعرف بها هذه المنزلة وكانوا ينسبون حالة الطقس الى النجم الذي يقترن به القمر في فترة محددة من السنة واعتمدوا في ذلك على حركة القمر الذي يكون في موضع محدد من السماء والذي يتغير هذا الموضع بفترة زمنية مدتها 13 يوما، حيث ينتقل القمر الى موقع جديد مقترن بنجم جديد آخر وسمي هذا الموقع عند عامة الناس بالنوء وأصبح هذا الاسم متعارفا عليه باسم النوء وكلمة النوء في الواقع تعني صعود النجم أو شروقه في شرق السماء وجاءت تسمية النوء نتيجة لشروق النجم ولذلك أطلق العرب اسم «النوء» على كل منزلة صاعدة في الشرق وكل منزلة هابطة أو متجهة الى الغروب في الغرب أطلقوا عليها اسم «الرقيب» (غروبه في الغرب) وهذا يعني أن النوء هو شروق النجم من الشرق والرقيب غروب أو هبوط النجم في الغرب.
وهناك من قال عكس ذلك من العرب، حيث اعتبروا أن كلمة الرقيب تطلق على شروق نجم من منازل القمر وطلوعه كما اعتبروا أن كلمة نوء تطلق على غيوب نجم منازل القمر أو غروبه في الغرب في فترة ظهور نور الفجر أو كما يسمى فلكيا (سقوط النجم أو المنزلة).
وقسموا هذه المنزلة على 28 يوما فيصبح الناتج عندنا «51 دقيقة و26 ثانية». وهذا يعني أن القمر يتأخر في الغروب أو الشروق في كل ليلة 51 دقيقة و26 ثانية ونعطي مثالا بسيطا على ذلك فلو فرضنا أن القمر اليوم أشرق مثلا في الساعة 7 مساء فإن شروقه في الغد سوف يكون في الساعة 6:51:34 مساء أي أننا طرحنا مدة 51 دقيقة و26 ثانية من الساعة 7م فكانت النتيجة الوقت المذكور سابقا وسميت المنازل «نجوم الأخذ» لأن القمر يأخذ في كل ليلة منزلة جديدة منها.
ويبلغ عدد منازل القمر كما قلنا 28 منزلة يظهر منها 14 منزلة ويختفي 14 منزلة أخرى منها فكلما غرب نجم من نجوم منازل القمر في جهة الغرب طلع في المقابل في جهة الشرق نجم آخر يسمى في المنزلة الشرقية بالرقيب وتقسم هذه المنازل 28 منزلة الى قسمين رئيسيين الشمالية وتقع 14 نجما منها في شمال خط الاستواء السماوي وتسمى هذه النجوم الشمالية بالمنازل الشامية ومنازل الـ 14 نجما الأخرى الجنوبية والتي تقع في جنوب خط الاستواء السماوي فتسمى النجوم الجنوبية بالمنازل اليمانية وهذه النجوم أو المنازل هي موزعة على النحو التالي:
1- المنازل الشامية أو الشمالية: هي الشرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرفة، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العواء والسماك الأعزل وهي نجوم تقع شمال خط الاستواء السماوي.
2- المنازل اليمانية أو الجنوبية: وهي الغفر، الزباني، الإكليل، القلب، الشولة، النعايم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد سعود، سعد الأخبية، المقدم، المؤخر، الرشاء وبطن الحوت وهذه النجوم فتقع في جنوب خط الاستواء السماوي.
والملاحظ هنا أن القمر ينتقل من منزلة الى أخرى في خلال 24 ساعة.
أما الشمس فهي على العكس تماما من القمر، فتحل في كل منزلة من منازل القمر بفترة زمنية مدتها 13 يوما عدا منزلة الطرفة فتكون مدتها 14 يوما، ولذلك ترى أن مدة النوء المتعارف عليها عند كافة الناس هي 13 يوما تقريبا ولمعرفة مقدار السنة الشمسية فبعملية حسابية بسيطة نجريها.
فلو ضربنا عدد منازل القمر وهي 28 منزلة في مدة النوء وهي 13 يوما 28×13 = 364 مضاف إليها يوم واحد من منزلة الطرفة فيصبح 365 وهي عدد أيام السنة الشمسية أو الميلادية العادية، حيث إن السنة الشمسية مدتها 365.250 ما يعني أنه يضاف يوم واحد كل 4 سنوات وهو ما يعرف بالسنة الكبيسة.
أما في السنة الكبيسة والتي مدتها 366 يوما فإنه يضاف يوم واحد لمنزلة نوء القلب (قلب العقرب) كل أربع سنوات والذي مدته في السنوات العادية غير الكبيسة 13 يوما ونوء القلب هو من المنازل اليمانية.
والعملية الحسابية التي نجريها هي كالتالي:
المنازل الشامية 14 منزلة + المنازل اليمانية 14 = 28 منزلة قمرية
مدة النوء 13 يوما × 28 منزلة قمرية = 364 يوما.
طول السنة الشمسية = مدة المنازل القمرية 364 يوما + يوم واحد مضاف لمنزلة الرفة = 365 يوما.
السنة الكبيسة = (365 يوما طول السنة العادية + يوم واحد من نوء القلب = 366 يوما.