الكويت: كويت نيوز: دعت خطبة الجمعة جموع المصلين من المواطنين الى التعاون لاختيار أفضل العناصر التي تمثل الشعب الكويتي ليسهم في الأمر بالمعروف، ويكون سببا لنصح كل من زل في دينه أو ضل في خلقه المألوف، مضيفة: «إن السعيد من عف لسانه عن الخوض في الأعراض، ولم يحدث الناس بكل ما ذاع وشاع من الأحاديث على سبيل الموافقة أو الاعتراض، فكفى بأحدكم أن يحدث في هذه الأيام بكل ما يتناقل ويشاع حتى فت في عضد هذا المجتمع تحدث الناس بالشائعات».
وأضافت: «وأشنع من ذلك ما يتفشى في هذه الأيام من الرشوة التي هي سحت ووبال سواء كانت تلميحا أو تصريحا بقبض المال».
وجاء في الخطبة: إن الرب تبارك وتعالى إنما بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بما يحبه ويرضاه، فمن اتبع المحبوب المرضي وتجنب المبغوض المسخوط رضي الله عنه وأرضاه، فعن حسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسفها» أخرجه الطبراني.
فأشراف الأخلاق ومعالي الأمور متنوعة في الحسن ومتفاوتة في الاتقان، لكنها قد تتبدل أو تتغير بحسب ما يقابلها من إنسان أو زمان أو مكان، فقد تستدعى أشراف الأخلاق في مقام الإحجام، وقد تتطلب معالي الأمور في موطن الإقدام، وقد تكون الشدة في منزل نعتا ممدوحا، وقد يكون اللين في موقف وصفا مقدوحا، فما من خلق من الأخلاق إلا له مقام معلوم، وهو المقام الذي تستلطفه النفوس وتدركه الفهوم، فمحاسن الأخلاق، وصالح الشيم، ومعالي الطباع: لا يتصور وجودها إلا فيمن كانت في عزائمهم صلابة ومتانة، وهم الموصوفون بصفات: الحفظ، والعلم، والقوة، والأمانة.
ويقابل هذه الأوصاف الأربعة أربع خصال تورث أصحابها الملامة والمهانة، وهي ما يقوم في نفوس أصحابها من: التضييع، والجهل، والضعف، والخيانة، وملاك ذلك كله أصلان: اعتدال النفس بالقوة، أو اختلال النفس بالعجز، فيتولد من اعتدال النفس بالقوة الذي هو ثمرة من ثمار قوة إيمانها: معالي الأمور ومحاسن الأخلاق، من الحفظ والعلم والأمانة، ويتولد من اختلال النفس بالعجز ـ الذي هو أثر من آثار ضعف إيمانها: رذائل الأمور ومساوئ الأخلاق، من التضييع والجهل والخيانة، ويدل على هذين الأصلين ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدّر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان».
معشر الإخوة الكرام
ألا وإنكم مؤتمنون باختيار صفوة من يمثلكم بعد ساعات، فاجتهدوا في انتخاب من ترضونهم ممن اتصفوا بهذه الصفات، ممن استكملوا معالي الأخلاق والديانة، ووصفوا بالحفظ والعلم والقوة والأمانة.
فمدح العامل الحفيظ العليم جاء في آي الذكر الحكيم: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ـ الأحزاب: 70 ـ 71)، وتزكية الموظف القوي الأمين: جاء في محكم الكتاب المبين: (قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ـ القصص: 26).
فتأملوا في شفقة ملك مصر على بلاده التي أوشكت على الهلاك والمجاعة والدمار، فلو أن له ما في الأرض جميعا ومثله معه لسعى جاهدا لها بإنقاذها بحسن الاختيار، فلما اطمأن الملك لأهلية يوسف الصديق: عزم على أن يخرجه من السجن والضيق، (وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين * قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ـ يوسف: 54 ـ 55).
فقارن بين حال ملك مصر الذي اختار لمصالحها من لا يتوافق معه بوجه من الوجوه، وبين حال من هو متعصب لرأيه لا يرى الخيرية إلا فيمن يؤمله لمصالح نفسه ويرجوه.
فمتى ندرك قبل فوات الأوان أن مصالح هذا البلد تسبق حظوظ النفس ومصالح الوالد وما ولد؟ وأن الحرص على دينه وبحبوحة عيشه وسلامة أمنه من الاضطراب هو لسان ميزاننا الذي نزن به الطوائف والتحالفات والأحزاب؟
فإياك ثم إياك أن يؤتى الوطن من ثغرك، وليكن لسان حالك: نحري دون نحرك.
بلادي هواها في لساني وفي فمي
يمجدها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خير فيمن لا يحب بلاده
ولا في حليف الحب إن لم يتيم
فالقوة إن لم تقترن بالأمانة كانت سبب هلاك النفس، لما يخشى منها من انتهاك إحدى الضروريات الخمس، فالقوي الأمين يحفظ الله تعالى به الدين والنفس والنسل والعقل والمال، والضعيف الخائن إن لم ينتهك بنفسه الحرمات كان مذموما في جميع الأحوال.
فتعاونوا جهدكم مع القوي الأمين على البر والتقوى فأنتم شركاء مع من أعنتموه بقوة في الأجر من المولى، فأمارة الحفيظ العليم: التماس رضا الله تعالى بسخط الناس ومخالفة هواه، وعلامة القوي الأمين: الحرص على دفع ورفع ما يفسد شؤون دينه ودنياه.
عباد الله
ألا واعتبروا بحال سلف الأمة الأول، الذين على متابعة سبيلهم المعول: كيف أثمر لهم اختيار الحفيظ العليم تنمية الأموال، وكيف تولد من اصطفاء القوي الأمين تزكية الأحوال؟ قال موسى بن عقبة رحمه الله تعالى: «لما ولي عياض بن غنم قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته ومعروفه، فلقيهم بالبشر، فأنزلهم وأكرمهم، فأقاموا اياما، ثم سألوه في الصلة، وأخبروه بما تكلفوا من السفر اليه، رجاء معروفه، فأعطى كل رجل منهم عشرة دنانير ـ وكانوا خمسة، فردوها واستخطوا ونالوا منه، فقال: اي بني عم، والله ما انكر قرابتكم، ولا حقكم، ولا بعد شقتكم، ولكن والله، ما خلصت الى ما وصلتكم به الا ببيع خادمي، وببيع ما لا غنى لي عنه، فاعذروني، قالوا: والله، ما عذرك الله، انك والي نصف الشام، وتعطي الرجل منا ما جهده ان يبلغه الى اهله قال: فتأمروني ان أسرق مال الله؟ فوالله، لان اشق بالمنشار، او ابرى كما يبرى السفن ـ اي: الفأس العظيمة: احب الي من ان اخون فلسا، او اتعدى وأحمل على مسلم ظلما او معاهد، قالوا: قد عذرناك في ذات يدك ومقدرتك، فولنا اعمالا من اعمالك نؤد ما يؤدي الناس اليك، ونصيب ما يصيبون من المنفعة، فأنت تعرف حالنا، وأنا ليس نعدو ما جعلت لنا، قال: والله اني لاعرفكم بالفضل والخير، ولكن يبلغ عمر اني قد وليت نفرا من قومي، فيلومني في ذلك، ولست احمل ان يلومني في قليل ولا كثير، قالوا: فقد ولاك ابوعبيدة بن الجراح ـ وأنت منه في القرابة بحيث انت ـ فأنفذ ذلك عمر، ولو وليتنا فبلغ ذلك عمر: انفذه، فقال عياض: اني لست عند عمر بن الخطاب كأبي عبيدة بن الجراح، وانما انفذ عمر عهدي على عمل لقول ابي عبيدة في، وقد كنت مستورا عند ابي عبيدة، فقال في، ولو علم مني ما أعلم من نفسي: ما ذكر ذلك عني، فانصرف القوم لائمين لعياض بن غنم»، فانظروا رحمكم الله تعالى الى آثار الحفيظ العليم في الرعاية لمصالح البلاد، وتأملوا وفقكم الله تعالى الى مآثر القوي الامين في العناية بنصائح العباد.
تأملوا في حال العبد الصالح ذي القرنين، وقد مكنه الله في الارض وملكه المشرقين، ومع ذلك فقد فزع الى صالحي قومه ليعينوه بقوة، لانه لا قوام للملك الا باعانة اهل الحكمة والفتوة، (قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة) «الكهف: 95»، ثم اعتبروا بعد ذلك بمناشدة ولي امركم الذي اوجب الله عليكم له السمع والطاعة فيما كان لله ورسوله سمع وطاعة، وهو يستحثكم لتعينوه بقوة في اختيار من يصلح الوطن ويوحد الله به صفوف الجماعة.
فواجب السمع والطاعة لمن ولاه الله تعالى امركم على الاطلاق، فيما تحبون وتكرهون الا ان يأمركم بأمر فيه معصية ربكم الخلاق، فعن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما احب وكره، الا ان يؤمر بمعصية، فان امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (أخرجه البخاري ومسلم)، فالنصح يستدعي من المسلمين ان يستجيبوا لولي امرهم الذي افترض الله عليهم طاعته حال رضاهم وحال سخطهم، فليس الشأن في السمع والطاعة فيما تحبه وتهواه ولكن الشأن كل الشأن فيما تكرهه نفسك وتأباه.
ألا فاتقوا الله تعالى في حفظ بيضة هذه البلاد، وتعاونوا وتواصوا باصلاحها حذرا من الفساد.
فانظروا رحمكم الله تعالى بانصاف الى مآثر المشاركة وآثار العزوف، اذ لابد من التعاون في اختيار من يمثلنا ليسهم في الامر بالمعروف، ويكون سببا لنصح كل من زل في دينه او ضل في خلقه بالمألوف، فعن قيس ابن ابي حازم رحمه الله تعالى قال: «قام ابوبكر رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا ايها الناس انكم تقرأون هذه الآية: (يأيها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم) «المائدة: 105»، وانا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ان الناس اذا رأوا المنكر فلم يغيروه: اوشك الله ان يعمهم بعقابه» (أخرجه احمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه).
فالحرص الحرص على ان يكون امرك بالمعروف بما هو مشروع، واياك ثم اياك ان يكون نهيك عن المنكر بما هو مبتدع وممنوع.
وعليكم بالتزين بثوب الانصاف، حال الوفاق والاختلاف، فآلفوا موافقكم بالعلم، وخالفوا مفارقكم بالحلم، قال يونس الصدفي رحمه الله تعالى: «ما رأيت اعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا ابا موسى، الا يستقيم ان نكون اخوانا، وان لم نتفق في مسألة؟».
إخوة الإسلام
واعلموا ان السعيد من عف لسانه عن الخـــوف في الاعراض، ولم يحدث النــاس بكل ما ذاع وشاع من الاحاديث على سبيل الموافقة او الاعتراض، فكفى بأحدكم اثما ان يحـــدث في هذه الايـــام بكل ما يتناقــل ويشاع، حتـــى فت في عضد هذا المجتمع تحدث الناس بالشائعـــات ومــــا يذاع، فعن حفص بن عاصـــم رضي الله عنه قـــال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمـــرء كذبا ان يحدث بكل ما سمــع» (أخرجه مسلم).
وأشنع من ذلك وأقطع مما لا تحمد عقبـــاه من سوء الاحـــوال: ما يتفشى في هذه الايام من الرشوة التي هي سحت ووبال، سواء كانت تلميحا باستلام هديـــة او تصريحا بقبض المال، فعــــن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي» (أخرجه احمد وأبوداود والترمذي وابن ماجه).