كويت نيوز :
وبعد قرابة العامين من بروز «الإخوان» ومتفرعاتهم في مصر وتونس والمغرب واليمن وليبيا والأردن وسوريا، ليس من الممكن إصدار حكم على التجربة مع «الإخوان» (من جانب الأميركيين بالطبع!) باستثناء مصر، لأنهم انفردوا بالسيطرة فيها دونما عقبات جدية تقريبا، وبمساعدات أميركية وعربية قوية وظاهرة، وعدم الملاحظة عليهم أو إعاقتهم حتى عندما اندفعوا باتجاه إيران وروسيا، ورفضوا سياسات الجامعة العربية تجاه الأزمة والحرب في سوريا!.. بل إن الأميركيين نصحوهم وحاولوا مساعدتهم مرارا في أمرين مهمين: طرائق التعامل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وطرائق التعامل مع المعارضة الداخلية. فقد نصحهم جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، قبل أشهر بتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة محمد البرادعي أو عمرو موسى. وذكر أمامي أحد «الإخوان» الذين كانوا يؤيدون وجهة نظر كيري أن مكتب الإرشاد عارض ذلك بنصيحة عربية وأخرى تركية. لكن أحمد داود أوغلو نفى ذلك بشدة، وقال إن أردوغان نصحهم بعدم شيطنة الخصوم، والدخول في العقائديات، شأن ما فعله سلفه نجم الدين أربكان، وأدى إلى اصطدامه بالعسكر!
إن ماقامت به القوات المسلحة ليس انقلابا على الشرعية السياسية وإنما إجراءا شرعيا لإنقاذ البلاد والمنطقة من كارثة تاريخية تشابه مخطط الغرب بتقسيم الشرق الأوسط 1916 بما عرف بسايكس بيكو ، لقد كنا على مشارف تجربة ألمانيا على يد النازي والتي بدأت بانتخابات ديمقراطية وانتهت بهلاك أكثر من ستة ملايين شخص عبر جميع إنحاء العالم حتى قرر الألمان والمجتمع الدولي حظر الفكر النازي العنصري..إننا في مصر لا نمارس صراعا سياسيا فقط مع الإخوان وإنما نخوض صراعا مصيريا من أجل إنقاذ هويتنا وأراضينا وانتمائنا الوطني..كل الشواهد والأدلة على الأرض أكدت على ضلوع الإخوان في مسلسل مشروع شرذمة الشرق الأوسط الجديد من وجهة نظر الولايات المتحدة لصالح إسرائيل , صحيح أن الإسلاميين نجحوا في الانتخابات. ولكن الصحيح أيضا أنهم سقطوا في الامتحانات، على نحو يجعل ترديد أسطوانة “الشرعية الانتخابية” مجرد تمرين في العدم. إن كان هناك من ناقض للشرعية ومن معطل لسنّة التداول الديمقراطي على السلطة، فهم الإسلاميون أنفسهم. إذ إن لديهم ماركة مسجلة: ينتصرون بالانتخاب ثم يسارعون لإنتاج الشروط الموضوعية وأولها الحالة الشعبية المحتمة للانقلاب. كل ذلك مرده فكرة الهيمنة لدى جماعة الإخوان كتنظيم قوي متماسك قادر على إدارة حكم البلاد منفرداً، دون حاجته لأحد، ولفكرة تكفير الآخر التي تلازم الجماعة. على الإخوان مراجعة حساباتهم وطرق تعاملهم مع الآخر وسبل عيشهم وانتشارهم بين الناس، كما عليهم احترام عقول الآخرين وعدم اللعب بالدين والقدسية الإلهية، وإعادة ترتيب صفوفهم للسباق الانتخابي القادم، والذي يجب أن يتم في إطار من المناقشة بمحبة وقبول وإلغاء فكرة الرفض من منهجهم. إن عزل الجيش لمرسي جاء نتيجة لاستفتاء شعبي واسع وكبير وغير مسبوق، من خلال الملايين التي طافت في الشوارع والميادين، وفكرة الشرعية هي ملك للشعب وللشعب ولا يجب أن تستخدم ضده، فالأصل في الديمقراطية هي رضي الشعب لا إرغامه وإلا بماذا اختلفت الديمقراطية عن الاستبداد والدكتاتورية. وإذا سلمنا بأن عزل مرسي انقلاب، فإن الجماعة هي من بدأت بالانقلاب على الشعب عندما سرقت الثورة بعدما لحقت بها متأخرة، وهي التي خطفت الحكم لها وحدها ولم تشرك به الثوار ولا القوى السياسية ولا الشعب، وهي التي جعلت من أصدقاء الأمس أعداء اليوم.
هذا مرشدهم الأسبق قال طز في مصر وجاء مرسى ليمنح السودان وعودا شفهية بترك حلايب وشلاتين وكانت حادثة قتل جنودنا في رفح نموذج عملي للاستهانة بالدم المصري لصالح مخطط دنئ حتى تواترت أنباء جاءت عن أتفاق بالتخلي عن جزء كبير من سيناء للغزاويين برعاية حماس..نعم فقد انتهى زمن الانقلابات العسكرية ونحن في مصر أكبر من أن نقع في تلك الهنة التي لا تتم إلا في مجتمعات متخلفة ولكننا لا يمكن أن نتخاذل لمجرد الإلحاح من الخارج على أن ما حدث انقلابا لأننا كنا ندافع عن مصيرنا وهويتنا وأرضنا ..إننا تدعوا كل الأحرار والمخلصين لبلادنا أن لا يتحفظوا أبدا على تلبية القوات المسلحة لنداء الشعب في الوقت الذي ألقت فيه الإطاحة المدعومة من الجيش، بالرئيس المصري محمد مرسي، بظلال من الشك على المستقبل السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، تواجه الجماعة أزمة أكثر عمقاً على الصعيد الداخلي، وذلك بحسب محللين.
وبعد أقل من عامين، من تسجيل جماعة الإخوان المسلمين سلسلة من الانتصارات الانتخابية، اهتزت الجماعة بشدة، لقيام الجيش بالإطاحة بمرسي وهي الخطوة التي لاقت ابتهاجا ساحقا في الشارع المصري.
وأن يدافعوا عن رغبة الغالبية العظمى من الشعب لإنقاذ المنطقة من هلاك محقق تقوده الولايات المتحدة الأمريكية آثار وبصمات دول المنطقة ظاهرة في الصراع المصري – المصري، مساعدات سعودية وإماراتية وكويتية عاجلة للنظام المصري الجديد. تنديد من أردوغان التركي، وسرادق عزاء في قطر لخسارة الإخوان، وغيظ في إيران. وهلع عند حماس غزة ونهضة تونس. أما وراء حدود المنطقة فتبدو واشنطن في حالة استنفار وارتباك، كما اختلفت مؤسساتها في التعامل مع البحرين وسوريا من قبل. فقيادات الكونغرس رحبت بإقصاء مرسي، واعتبرته فاشيا وإن فاز عبر الصناديق، أما الرئيس باراك أوباما فقد هنأ المسلمين بدخول شهر رمضان وأطلق نصائح تميل نحو الإخوان، وبدأ إجراءات عقابية مثل وقف المعونة العسكرية للجيش المصري. للإخوان المسلمين تاريخ حافل بالأحداث والصراعات، ولنبدأ بالنشأة، حيث نشأت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد المرشد الأول المؤسس حسن البنا، وكان الهدف المعلن من تشكيلها نشر التعاليم الدينية والتمسك بها وتفقيه العباد، وكان واضحا من أهداف النشأة المعلنة الغيرة على الدين الإسلامي الذي كان يواجه قصوراً آنذاك حسب رؤية الإخوان. وخلال بضع سنوات ومنذ عام 1938 باتت الجماعة تتدخل في كل شاردة وواردة في الحياة اليومية العامة السياسية والاجتماعية و الاقتصادية في مصر، بل لفظت الدستور وأوضحت أن الدستور الواجب إتباعه هو القرآن. ولم يكتفي حسن البنا بذلك بل راسل حكام العالم العربي والإسلامي وناداهم بالعمل على دفع المسلمين للتمسك بإسلامهم من خلال العمل بخمسين مطلب حددها خطابه. إن المتتبع لتاريخ الإخوان يلاحظ أنه منذ السنوات الأولى للنشأة وحتى الآن والجماعة تمر بل وتدير صراعات مع كل الحكام الذين مروا على مصر بل وخلافات شديدة مع معظم القوى السياسية من الوفد وصولاً إلى حزب النور السلفي الذي كان حليفهم بالأمس، ولتتبع ذلك نمر سريعاً على الأنظمة المختلفة منذ ظهور الإخوان حتى وقتنا هذا وعلاقة الإخوان بهم. فقد كان هناك كثرة من الإخوان, من بينهم سيد قطب, يدعمون رؤى ناصر السياسية عندما أصبح الأخير عضواً في مجلس قيادة الثورة, في حين تحالف مع ناصر شخصيات إخوانية أخرى من أجل رفضه قيادة الهضيبي , ومن هنا استطاع توحيد جدوال أعماله مع هؤلاء الغير راضين عن أداء المرشد. ففي وسط الإبعاد والتعذيب, نظر معتقلي الإخوان إلي الاضطهاد الحكومي للجماعة علي أنه واقع مر. فعلاوة علي فقد المعتقلين الثقة في قيادة التنظيم وأحكام المحكمة, فإنهم كذلك قد تسألوا عن دورهم في هذه الكارثة. فكأن صمتهم هذا كان دليلاً علي انكفائهم علي أنفسهم لتقييم الذات.
الكاتب :
الدكتور عادل عامر
دكتوراه في القانون وخبير في القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وعضو بالمعهد العربي الاوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول العربية