تطرّق المقال السابق إلى بعض الانقسامات والتحوّلات، التي شهدها المكوّن السلفي في دولة الكويت. وأعتقد أن مسألة الانتقال إلى الحقل السياسي هي من أهم الأسباب، التي كشفت عن ضعف التنظيم من الداخل، والمتمثّل بشكل رئيس في الخلاف ما بين السلفيين المسيّسين والتيار الرافض لتسييس الحركة (الاتجاه المدخلي)، وأرى أن حوارات هذا الخلاف تستحق التدوين والمقارنة بشكل دقيق؛ لأنها ستكون دراسة مهمة لفهم بداية التحوّلات في الجسم السلفي.
هذا الخلاف صار صراعاً جوهرياً ما بين هذين التوجهين حتى هذا الوقت؛ ولذلك صب في مصلحة مكوّنات سياسية أخرى، يأتي في مقدمتها تيار الإخوان المسلمين، وذلك على المدى الطويل.
وما يؤكد ذلك هو أن هناك شخصيات سلفية لم يعد يختلف توجّهها وسلوكها السياسي عن الحركة الدستورية الإسلامية، لا سيما ما بعد ٢٠٠٣، وحتى الآن، وهذا التقارب والتشابه خاصة في المجال السياسي، لا يمكن عزله عن تأثير طروحات الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، ودورها في انقسام المكون السلفي حول موضوع المشاركة السياسية.
أشارت الباحثة كارين لحود في دراستها إلى أن الخلاف ما بين تيار السبت وتيار عبدالخالق لا يكمن في فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية أو أسلمة القوانين، بل في الاستراتيجية؛ فالاتجاه الأول يرى أن الدعوة إلى التمسك بالشريعة الإسلامية كفيلة بإصلاح المجتمع، وهذا سيخضع مؤسسات الدولة والسلطة بنهاية الأمر إلى مبادئ الشريعة الإسلامية من دون الانخراط في المجال السياسي.
أما الاتجاه الثاني فيتبنّى فكرة أسلمة القوانين عبر المشاركة السياسية، أو كما تذكر الباحثة «أنه يجب أن تؤدي المشاركة المؤسساتية إلى إعادة صياغة سياسة الدولة وإعادة هيكلة المؤسسات..
ويستخدم هذا الاتجاه استراتيجيات التعبئة، والموارد التنظيمية (مساجد، منظمات خيرية)، وخطاباً مماثلاً للإخوان المسلمين».
ويمكن القول إن تأثير حركة الإخوان المسلمين وتنظيمهم السياسي بدا واضحاً منذ منتصف السبعينيات داخل المكوّن السلفي، خاصة على المستوى الحركي.
أما المستوى الفكري فقد شهد هذا المكوّن مراجعات فكرية وسياسية، انتجت سلفيات عديدة، لا سيما بعد الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت.
إذاً، عملية نشأة السلفية كتيار أو كحركة اجتماعية مضادة لنشاط «الإخوان المسلمين» لم تكن منظمة، واعتمدت على الخطاب التعبوي والعاطفي من دون أن تكون لها شخصية واضحة في الحقل السياسي في بداية الأمر.
ولذلك، كانت لأفكار عبدالخالق دور في تحديد الملامح السياسية لتيار مهم في هذا المكوّن.
وتجدر الإشارة إلى أن السلفية السياسية لم تستفد من موارد الدولة كجماعة الإخوان المسلمين إلا مؤخراً بسبب صراعات نشأة الأولى وانقساماتها، وهذا ما يفسّر «ضعف التأثير وقوته»؛ فكلا التيارين لم يواجها أي رفض من السلطة أو مقاومة للدخول في الحقل السياسي، بخلاف تاريخ الحركات السياسية الإسلامية في الدول العربية الأخرى.
وبعبارة أخرى، تعتبر ولادة هذه التيارات الإسلامية السياسية «السنية» مستقرة، ولا يمكن دارسة هذا المكوّن بعيداً عن تحليل «بنية الفرص السياسية»، كما توصي الباحثة في دراستها.