كويت نيوز :
إن محمد مرسي وجماعة الإخوان أثبتت محدودية فكر الجماعة، وحداثتها في ممارسة السياسة؛ فبعيدًا عن سوء الإدارة، وتراجع الأداء في تسيير أمور المواطنين؛ فإن أبرز أخطاء الجماعة هي تصورها أنها في كل مرة تستطيع تمرير ما تريد من قوانين وإجراءات ودستور في ظل تظاهرات خافتة تخرج ثم تختفي، وتصورت أنها بالاعتماد في كل مرة على لغة التهديد والوعيد تردع الآخرين حتى لو كانت المؤسسة الأمنية، وتصورت وفقًا لذلك بشكل دائم أن ثمة مؤامرة تُدَار ضدها دون أدلة كافية، وهو ما أدخل الجماعة في خندق الدفاع الدائم عن النفس من خلال أوهام لا وجود لها، انشغلت بها، وبتحقيق مآربها السياسية، على حساب معالجة بعض أخطاء النظام السابق لتوضح للناس أنها قد تكون مختلفة.
وتعود بداية الخطايا “الإخوانية” في كيفية إدارة الأزمة الراهنة إلى شهور مضت؛ فلم تدرك الجماعة أنه سوف يأتي يوم منذ وضع الدستور الجديد ويدرك الجميع أنه دستور غير توافقي، وأن الإعلان الدستوري قد جمع أطياف المعارضة المدنية كلها ضد الجماعة، وأن تقسيم مصر إلى فلسطين لن يصب في النهاية لصالح الجماعة التي ربما ضخمت في مدركاتها من حجم شعبيتها قياسًا بالنتائج الانتخابية التي لم تعكس حقيقة التنوع الكائن في مصر. ويتبع ذلك أن الجماعة والرئيس أغفلا عن عمد منذ هذا الوقت مدى التراجع المستمر في شعبيتها ورؤيتها لدى العامة، وهي أمور كانت تكشف عنها توجهات الرأي المصري بشكل دائم، حتى هبط سقف تأييد الجماعة إلى أنصارها ومن يسير على شاكلتها، سواء أيديولوجيًّا أو مصلحيًّا، من التيارات الإسلامية الأخرى التي تشبثت الجماعة بالتحالف معهم، ليبدأ وكأنه بمثابة تحالف طبيعي ثم لينتقل إلى تحالف الإخوان مع أقصى اليمين الديني المتشدد دينيًّا وسياسيًّا لتخسر الجماعة حتى بعض حلفائها الإسلاميين مثل جبهة واسعة من التيار السلفي. التي تهدد النظام بالزوال وهي الانعزال المادي والشعوري عن الشعب المصري، وترسيخ أو إذكاء الفتنة الطائفية من خلال تصريحات مسئولي الإخوان والتهجير القصرى لهم في بعض المحافظات دون الوقوف على حل حقيقي لهذه الأزمة، وعدم تقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين على أنها جماعة دعوية دينية وليست سياسية لأن ذلك يجعل الأمور تختلط يبعضها، والتشكيك في مصداقية وحياد الأجهزة السيادية والأمنية،بالإضافة إلى الاستقواء بما سماه ميلشيات إسلامية وغض الطرف عن تجاوزاتها، وترسيخ فلسفة الإفلات من العقاب وعدم محاسبة المخطئين آيا كانت انتماءاتهم،
أن الخطيئة الكبرى هي الارتماء في أحضان الإدارة الصهيوأمريكية في الوقت الذي يتهمون فيه قوى المجتمع المدني بالعمالة إلى الغرب.
أما الغباء الشرعي فذهولهم عن حقيقة أن سنة الإسلام في التغيير هي الإصلاح لا الثورة، وأن التورط في الثورة جريمة يعذر مرتكبها واضطرار يقدر بقدره، حكمه حكم التورط في أكل الميتة يجب الفطام منها فور توافر البديل الأصلي ولكن الإخوان استمروا مع سائر الثوار أكل الميتة بشعاراتهم الفوضوية معهم: الميتة مستمرة، عفوا الثورة مستمرة. وأن أذكر لهم مثالين، أحدهما ضربه النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الآخر فتحرج بأبي هو وأمي أن يضربه بنفسه لتعلقه بشخصه الكريم فضربه الله نفسه بقرآن أنزله ليرفع عن نبيه حرج تكليفه بضربه بنفسه صلى الله عليه وسلم. لو فعلوا ذلك لتاب كل من يتولون كبر الثورة المضادة الآن من أتباع مبارك، ولكنهم خالفوا أمر ربهم فوكلهم ربهم إلى أنفسهم، فماجت الفتنة بأدواتها في الدولة العميقة التي أعجزت أداء الرئيس مرسى ولا تزال، وبأتباعها من الفلول الذين استجمعوا قواهم من جديد، وتصادف ذلك مع حسد من نخب ومتسلقين وإعلاميين وائتلافات سياسية وثورية لأغلبية حصدت مقاعد مجلس الشعب فتداعوا عليهم جميعا كما تتداعى الأكلة على قصعتها، ورموهم جميعا عن قوس واحدة، ولا يزالون وسيظلون كذلك إلى أن يتوب الإخوان وسائر الإسلاميين من ذنوبهم ويعاودون التأسي بأخلاق نبيهم والطاعة لأوامر ربهم. لقد كان ما فعله نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا إسلاما أكثر مما فعله الإخوان والسلفيون في مصر.
1ـ أما الأول فيوم دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منتصرا على كافرين نقضوا عهدهم معه وأعلنوا حربهم على كافرين حلفاء له، فكانت حربه لنقض المعاهدين عهدهم لا لكفرهم، لأنها كانت انتصارا لصالح كافرين معتدى عليهم ضد كافرين آخرين معتدين، فكان أن انتقى من تولوا كبر الفتنة فأمر بقتلهم ولم يزيدوا على أربعة، أما سائر المتورطين في الفتنة فقال لهم بلغة شفوقة حنونة رحيمة حكيمة: ما تظنون أنى فاعل بكم؟ أخ كريم وابن أخ كريم! اذهبوا فأنتم الطلقاء.
2ـ وأما المثال الثاني فكان في أفك الطعن في شرف أم المؤمنين عائشة، حيث تحرج النبي أن يعالج هذا الإفك بنفسه لخصوصية الأمر بشخصه الكريم، فعالجه الله تعالى بنفسه من فوق سبع سماوات بقرآن انتقى من تولى كبر الإفك فقال فيه: (والذي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [24/النور11]، أما سائر المتورطين في الإفك فقال لهم: (وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [24/النور16ـ17].
3 ـ أنتم خاطئون في حق الإسلام إن كان إصراركم على تصدر المشهد السياسي الحالي في مصر في ظل فتنة الثورة وتداعياتها إن كان سببه خوفكم أن يصب في غير صالح الإسلام نجاح ليبراليين أو يساريين أو علمانيين في حل مشاكل مصر اقتصاديا وصحيا وفى النهوض بها صناعيا وتقنيا، فالإسلام وإن كان يخص المؤمنين بالآخرة قد جاء بالخير للجميع مسلمين وغير مسلمين فيما يتعلق بشئون الدنيا، وهو القائل (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [21/الأنبياء107]) أي جميعا مسلمين وغير مسلمين، والقائل ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ [11/هود15]) أي سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ولن ينجح ليبراليون أو يساريون أو علمانيون في النهوض بمصر إلا ذوو عقل وفكر وبراعة وكفاءة وحجج وبراهين، وإن من هذه صفاتهم لهم أكثر أهلية من غيرهم لتدبر حقائق الإسلام وأدلته وبراهينه وللمسارعة إلى اعتناقه منهج حياة وربما دينا ليجمعوا بين الحسنين، فاللبيب الناجح في الدنيا لا يفرط في نجاح الآخرة إذا أقنعناه بالآخرة، وهو المطلوب.
4 ـ إن كل نجاح حققه الغرب في شئون الدنيا لا بد أنه استند إلى أسس تتوافق و تتنامي مع الإسلام، فلماذا لا نستثمر ذلك بأن نبين لهم ولليبراليينا أو يساريينا أو علمانيينا بعد نجاحهم في مصر أنهم لم ينجحوا إلا بناء على هذه الأسس، وأنهم لم يتوصلوا إلى هذه الأسس إلا مؤخرا وعبر تراكمات قرون ومعارف وخبرات، بينما هذه الأسس مسطورة ضمن نصوص إسلامنا منذ أربعة عشر قرنا، فيكون ذلك أحد أدلتنا القاطعة وبراهيننا الساطعة على أن هذا الإسلام من عند الله؟
أعتقد أن استعجال حركة الإخوان المسلمين في الوصول إلى سدة الحكم في مصر بعد أن زال حكم مبارك كانت أهم أسباب سرعة زوال حكمهم،كان من الحكمة التأني في التصدي للمسؤولية الجسيمة التي ألقاها الشعب المصري على من يريد الحكم بعد مبارك،فمشاركة هذه المسؤولية وتحميلها لأكبر عدد من التيارات السياسية ذات الوزن في الساحة المصرية كان سيكون له عدة فوائد منها:
1- لن يكون الإخوان وحدهم على الأقل في وجه نيران الفلول ومستعجلي الإصلاح .
2- اكتساب قدر كبير من الخبرة في إدارة شئون الدولة وتسيير مؤسساتها. وهذا ما ثبت افتقارهم له !
3- لن يتحمل الإخوان وحدهم وزر الفشل أو البطء في الإصلاح (هذا ما حدث الآن)
إلا إن استعجالهم ولهفتهم على الحكم هي من أهم ما سرع بزوال حكمهم. و اعتقاد الإخوان المسلمون إن فوزهم بأصوات الناخبين هو بمثابة شيك على بياض يمكنهم الصرف منه كيفما شاءوا لمدة الدورة الانتخابية وهذا ما ثبت خطأه من الواضح إن الشروع في أخونة الدولة المصرية متعددة المشارب والأهواء، أثار حفيظة قطاعات كبيرة من الشعب المصري واستشعروا خطره مما دعاهم للعمل في الاتجاه المعاكس! و الاستعداء السريع والشديد للقضاء، الجيش، الشرطة، والقوى العلمانية والليبرالية، كان من الحكمة تأجيل المواجهة على الأقل لما بعد فترة حكم ثانية أو ثالثة ! و تصور الإخوان المسلمون أنهم لوحدهم يمكنهم أحداث نهضة في البلاد، والحقيقة طمعهم في نسبة هذه النهضة لهم وحدهم هو ما زين لهم هذا الاعتقاد ! و من الواضح إن الإخوان المسلمون لم يكن لهم تصور واضح وناجع للنهضة بالدولة، كل ما كان لديهم مجرد الاعتقاد بان الأفكار الهلامية من قبيل (الحكم بالشريعة) و(الإسلام) الحل) كفيلة بهذه النهضة ! ولعبت قوى رئيسية داخلية وخارجية في التعجيل برحولهم . وكانت الحكومة المصرية، قبل سقوط مرسي، قد طلبت من صندوق النقد الدولي قروضاً ميسرة، إلا أن الصندوق لم يتجاوب بسبب الاضطرابات السياسية التي تعيشها البلاد، وبسبب غياب خطط للجم العجز العام الذي تخطّى 23 مليار دولار في 2012 (المتوقع أن يفوق الـ 30 مليار دولار في 2013). وللجم الدين العام، قدم صندوق النقد الدولي إلى الحكومة المصرية خطة تشمل خفض المساعدات إلى الشعب، ورفع الضرائب. لكن هذه الخطة رفضها الإخوان لخوفهم من أن تُواجه بتظاهرات. فالضرائب وخفض المساعدات ستؤدّي إلى رفع الأسعار وتقليل القدرة الشرائية لمواطن يعيش تحت كاهل الفقر (23% من الشعب يعيش تحت عتبة الفقر). هذه المعضلة أدّت إلى تأخير المساعدة الصندوقية إلى مصر. من جهة أخرى، عمدت الحكومة المصرية إلى طلب قروض من الدول العربية (قطر، السعودية، الكويت وليبيا)، لكن المبالغ التي أعطيت (بحدود إل 10 مليار دولار) لا تلبّي بالكامل حاجة مصر الملحة إلى السيولة. بحسب صندوق النقد الدولي، لا يتمتع الفريق الاقتصادي لنظام مرسي بالمؤهلات التقنية اللازمة التي تسمح لمصر بالتخلي عن نظام مساعدات حالي يأكل مدخول الدولة، إلى نظام يحتوي على آليات تسمح للفقراء بإيجاد عمل يؤمّن لهم باب خروج من الفقر. وبالنسبة لصندوق النقد الدولي يفتقد فريق مرّسي إلى “الخيال”.
ليس في ذلك شك!، وكان من الأولى أن يكون طمأنة هذه القوى من أولى أولويات الإخوان المسلمين على الأقل حتى يتقوا شرها ! و الحقيقة أن جزء كبير ممن صوت للإخوان في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لم يكونوا مؤيدين لهم حقا، كل ما هنالك أن التصويت كان تكتيكياً لضمان عدم عودة النظام السابق! وانتفى الغرض من ذلك ! و ضعف شخصية محمد مرسي وغياب الكاريزما اضعف موقفه وموقف الإخوان عامة ومنذ الإعلان عن حملة “تمرد” في أواخر شهر إبريل الماضي ارتأت الجماعة أن ما تقوم به “تمرد” مراهقة سياسية، ولم تنظر إليه إلا من زاوية أنه لا يشكل حجة قانونية ضد الرئيس، حتى بلغنا يوم 30 يونيو الذي قرأته الجماعة بشكل خاطئ، سواء في أهدافه، أو في رسائله، أو في درجة الاستعداد والاحتشاد له.
الكاتب :
الدكتور عادل عامر
دكتوراه في القانون وخبير في القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وعضو بالمعهد العربي الاوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول العربية