كويت نيوز :
اتهام الوفد بقلب نظام الحكم
الدكتور عادل عامر
كلف النائب العام المستشار طلعت عبد الله, المحامى العام لنيابة أمن الدولة العليا المستشار هشام القرموطي, بالتحقيق في البلاغ المقدم من سيد حامد المحامي وعضو لجنة الحريات بنقابة المحامين, والذي يتهم فيه محمد مصطفى شردي رئيس مجلس إدارة جريدة الوفد ورئيس تحريرها بالتحريض على قلب نظام الحكم وإذاعة أخبار كاذبة هدفها نشر الفوضى في البلاد وإثارة القلاقل والفتنة داخل ربوع الوطن. وأكد مقدم البلاغ رقم 1281 لسنة 2013 بلاغات النائب العام, أن جريدة الوفد نشرت بعددها رقم 5213 الصادر بتاريخ 16 يونيه الجاري عدة موضوعات حملت عناوين رئيسية منها “إخفاء مرسى بحراسة 500من الميليشيات واحتمال تهريبه إلى السودان”، و”قيادات حماس دخلت القاهرة بحجة المصالحة لوضع خطط حماية مرسى”، و”الإرشاد يستعين بحازمون لقطع الاتصالات وتعطيل التليفزيون في 30 يونيو”، و”ثورة الجياع بدأت”، و”بكرة الثورة تقوم ما تخلي”. وأضاف حامد في بلاغه, أن هذه العناوين وغيرها تصدرت جميعها عناوين رئيسية بالجريدة وأن ما نشر بهذه الجريدة لا يمثل الحقيقة ولا تمثل مادة إخبارية يستفيد منها القارئ، وإنما تمثل مجموعة من المنشورات تهدف إلى نشر الفوضى في البلاد وإثارة القلاقل والفتنة داخل ربوع الوطن وتأليب الجماهير وتكدير الأمن العام والسلم الاجتماعي والتحريض على قلب نظام الحكم. وطالب في نهاية بلاغه التحقيق مع المشكو في حقه وتقديمها للمحاكمة الجنائية لارتكابهما الجرائم المعاقب عليها طبقا لنصوص المواد 171، 172 ، 174 من قانون العقوبات.
إن الوفد منذ تأسيسه حزباً وطنياً لا تغيب عنه وصية رسولنا الكريم «استوصوا بقبط مصر، فأنهم أخوال وأصهار وهم أعوانكم علي عدوكم، وأعوانكم علي دينكم».. ويتخذها الوفديون بمختلف مواقعهم ومناصبهم دستوراً ونبراساً يضيء لهم طريق الوحدة الوطنية التي كانت ولا تزال حائط الصد المتينة ضد كل محاولات النيل من وطن لا يفرق منذ نشأته بين مسلم ومسيحي، أو بين شيخ وقسيس. وتضع بوصلة «المواطنة» في مكانها الصحيح.. وكأن التاريخ يعيد نفسه اليوم.. فقبل ثمانين عاماً وأكثر تصدي «الوفد» لكل محاولات الإخوان لإقامة دولة دينية علي أشلاء الأقباط وفوق جثة الوطن.. واليوم يتصدي الوفديون أيضا شيوخاً وشباباً لمحاولات تمزيق الوطن علي يد المتأسلمين وتجار الدين، والذين لا يعرفون سوي سياسة الإقصاء والاستحواذ واللعب علي أوتار الفتنة الطائفية كلما شعروا بضعفهم وانهيار شعبيتهم.
أن حكومة الإسلام السياسي في مصر تحاول للأسف تفكيك مؤسسات الدولة من قضاء وإعلام ومجتمع مدني وهدمها لتقيم علي أنقاضها فاشية دينية. أن القول بأن العبرة بصندوق الانتخاب ثم تفكيك أجهزة الدولة هو الأسلوب الذي تتبعه الحكومة المنتسبة للإسلام السياسي في مصر تحت مسمي «ترسيخ الديمقراطية». وأن شباب الوفد تواجدوا من أول يوم فى الثورة . أن حزب الوفد به حكومة ظل قادرة على إدارة مصر فى أى وقت ،وهناك برامج إصلاحية فى مختلف نواحى الحياة ،وأن حزب الوفد يأمل فى أن تنتج اللجنة التأسيسية دستورا يصلح لعشرات السنين، وليس دستورا يعبر عن أغلبية حالية يمكن أن تتحول لأقلية فى فترات قادمة . ورحبت جماعة الإخوان بالتعاون والتنسيق مع الوفد وجميع القوي وقال المرشد العام إن الجماعة وحزبها يمدون أياديهم لكل القوي السياسية خاصة الأحزاب التي لها تاريخ وطني مشرف مثل حزب الوفد لبناء توافق مجتمعي للخروج بمصر من أزمتها الراهنة، ونقل بيان عن مكتب المرشد أن القائمة الانتخابية المفتوحة هي تعبير عن قيمة التوافق المجتمعي فيما نقل البيان عن البدوي قوله إن حزب الوفد يتفق مع الإخوان المسلمين في أن المرحلة المقبلة تتطلب توافقا مجتمعيا واسعا بين الأحزاب والقوي السياسية المؤثرة وأن أي ائتلاف مقبل في مصر لن يعد ائتلافا للمعارضة بل سيصبح ائتلافا لحكم مصر. تتزاحم المشكلات التي تفرض على الأمة الإسلامية معالجتها بالمنهج القويم، وتتداخل القضايا التي تتطلب البحث والدرس بحلول واقعية تصمد أمام التحديات التي تتكاثر ويتعاظم أمرها ، في هذه الحقبة الدقيقة التي يجتازها العالم الإسلامي ، وفي هذه المرحلة الحرجة التي يمرّ بها المجتمع الدولي ، سواء على مستوى الحكومات والدول ، أو على مستوى المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية، أو على مستوى المؤسسات والهيئات الأهلية.
وكلما أمعنا النظر في المحيط الإقليمي والدولي ، وتأملنا الواقع المعاش في مختلف مستوياته ، وبما يحفل به من تناقضات تتصارع وأزمات تتصاعد ، نجد أن الخطر الأكبر الذي يتهدد الأمم والشعوب في هذا العصر ، هو ذلك الخطر الذي يمسّ الهوية الثقافية والذاتية الحضارية والشخصية التاريخية للمجتمعات الإنسانية في الصميم ، والذي قد يؤدي إذا استفحل ، إلى ذوبان الخصوصيات الثقافية التي تجمع بين هذه الأمم والشعوب ، والتي تجعل من كل واحدة منها ، شعباً متميزاً بمقومات يقوم عليه كيانه، وأمة متفردة بالقيم التي تؤمن بها وبالمبادئ التي تقيم عليها حياتها.
ومهما تكن الألفاظ الجامعة التي يوصف بها هذا الخطر الذي بات اليوم ظاهرةً تكتسح مناطق شتى من العالم ، بما فيها المناطق الأكثر نموّاً والأوفر تقدّماً في المجالات كافة ،وأياً كانت طبيعة هذه الظاهرة وحجمها والأدوات التي تستخدم في تحريكها ، فإن مما لاشك فيه أن الهوية والثقافة بخصوصياتهما ومكوّناتهما ومقوّ ماتهما ، هما المستهدف في المقام الأول ، وأن الغاية التي يسعى إليها الماسكون
وليست هذه ظاهرة ثقافية وفكرية وإعلامية فحسب ، كما قد يبدو من ظواهر الأشياء ، ولكنها ظاهرة سياسية في المقام الأول ، وظاهرة اقتصادية بدرجة أولى باعتبار أنّ الهدف النهائي الذي تسعى إليه القوى المسيطرة على مقاليد النظام العالمي – الذي هو في حقيقة الأمر نظام غربي المنزع أحادي الرؤية تقوده دولة واحدة انفردت بالقوم الضاربة وبالتحكّم في مسار السياسة الدولية – هو إخضاع حكومات العالم لمنطق القوة والهيمنة والسيطرة ، تحقيقاً لغايات ذاتية تتعارض مع القانون الدولي والقيم الإنسانية.
في ظل هذا المناخ الدوليّ غير المستقر ، يتعاظم الخطر الذي يهدد المجتمعات الإنسانية في خصوصياتها الثقافية والحضارية ، وفي أمنها الفكري والعقائدي وفي هويتها الوطنية وثقافتها القومية ، وهو خطر يتضاعف بقدر ما تتضاءل حظوظ النجاح في كسر صورة الاندفاع لقهر إ راداة الشعوب ،وكبح جماح جنون التطرّف في فرض النظام الأوحد على البشرية قاطبة .
ومن هنا يكون الحفاظ على الهوية الحضارية الإسلامية وعلى الثقافة الإسلامية ضرورة حياة وواجبا إسلامياً في المقام الأول. وإذا كنت قد حددت حادث المنشية الذي يمثل قمة التصادم بين الرئيس عبد الناصر والتيار الإسلامي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين بداية لهذا البحث، وحادث المنصة الذي توج علاقة التصادم بين هذا التيار وبين الرئيس السادات وأودى بحياته كنهاية لهذا البحث، فإن هناك تشابها بين الحادثين. فقد استقر في وجدان اتباع التيار الإسلامي من اتباع الفكر الشمولي أنهم لا يستطيعون تحقيق أهدافهم إلا بالحكومة الإسلامية وهو أمر يتطلب إعداد قوة عسكرية، ودفعهم هذا إلى تكوين ما يمكن تسميته بالميليشيات الإسلامية التي بلغت مبلغا لا يستهان به من القوة قبل ثورة سنة 1952. ولما كان شكل الحكومة الدينية التي يسعى هذا التيار لتحقيقها – وهو أمر يتفق مع شكل نظام الحكم الإسلامي وشكل التنظيم الذي أقاموه – أنها تعتمد على فكرة القائد والطاعة أو نظام الحكم الفردي، وهو يطابق نفس نظام الحكومة العسكرية التي قامت بعد ثورة سنة 1952، لذلك فإنه قد أصبح من المستحيل أن يجمع بينهما نظام سياسي واحد، وبالتالي أصبح من الضروري أن يفسح أحدهما المجال للآخر بعد أن أصبح الصدام أمرا حتميا. من هنا فإن حادثي المنشية والمنصة ضرورة تفرضها ظروف العلاقة بين تيارين متشابهين في التنظيم والتكتيك وتحتم أن يدبر أي منهما للآخر الأحداث التي نتيح له فرصة الانفراد بالحكم، فإن لم تكن المنشية فلا بد من منشية، وأن لم تكن المنصة فلا بد من التدبير لمنصة أخرى، وهي أحداث أسهمت ومازالت تسهم – مع غيرها – في التعبير عن أزمة الشرعية السياسية. أن كافة الفئات التي انضمت لهذه التنظيمات لتبحث من خلالها عن العدالة الاجتماعية التي تكفلها الأيديولوجية الدينية والتي عجزت الأيديولوجيات الأخرى عن تحقيقها تؤكد بأن الهدف الحقيقي لهذه الفئات ليس إقامة الحكومة الدينية في حد ذاتها وإنما ما يمكن أن تحققه هذه الحكومة لهذه الفئات المعانية من تأمين لمستوى المعيشة وتحقيق لعدل اجتماعي فشلت حكومات الصفوة أن تحققها في التجربة الديمقراطية الليبرالية قبل ثورة سنة 1952 كما فشلت – أو أفشلت – الحكومات العسكرية عن تحقيقها بعد هذه الثورة. تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من اجتذاب بعض الشبان من ضباط الجيش إلى الاهتمام بالقضايا العامة من خلالها منذ بداية الحرب العالمية الثانية. ويرجع أحد هؤلاء الضباط سبب ميل بعضهم إلى جماعة الإخوان إلى معاداة هذه الجماعة للحزبية على اختلاف اتجاهاتها وأفكارها إلى جانب ما اتسم به تنظيمها من دقة وانضباط يفوق ما كان في الأحزاب السياسية وعلى رأسها حزب الوفد . وعلى الرغم من ذلك فإن جماعة الإخوان لم تنجح في احتواء هؤلاء الضباط لكي يعملوا في صفوفها أو لحسابها إلا قلة محدودة – وهو أمر يرجع إلى طبيعتهم العسكرية، ولهذا ظلت العلاقة بينهم – في كل مراحلها – قائمة على التعاون لا التلاحم الذي كانت ترفضه طبيعة التنظيم عند كليهما .
وتبدأ العلاقة الفعلية بينهما بتولي عزيز المصري منصب القائد العام للجيش المرابط في وزارة علي ماهر سنة 1939 والذي كانت مهمته – سواء بوحي منه بحكم ولائه للأتراك أم بوحي من الملك فاروق – هي تجميع القوى الموالية للمحور والمعادية للحلفاء من خلال عدائها للإنجليز، وكان خروجه من الجيش بناء على أوامر من الإنجليز لعثورهم في مقر القيادة الإيطالية على الخطة الدفاعية البريطانية على صحراء مصر الغربية، فرصة هيأت له إمكانية العمل – سرا – لتوحيد هذه القوى. وكانت صلة جماعة الإخوان المسلمين بعزيز المصر أسبق من صلته بضباط الجيش حيث استقبله وفد من [[الجماعة]ي على رأسه حسن البنا في المطار عند عودته من لندن سنة 1937 ، وهو أمر دعاه – بعد أن توطدت الصلة بينهما – لمحاولة توحيدها مع جماعة مصر الفتاة أملا في تكوين جبهة معارضة للإنجليز.
وكما كانت جماعة الإخوان أسبق من الضباط في الاتصال بعزيز المصري كانت أسبق من المصري في الاتصال بالجيش أملا في توسيع نفوذها في قطاع كان محرما على الأحزاب السياسية فبدءوا بمناقشة بعض قضايا الجنود المضطهدين في الجيش. ثم سلكوا وسيلة أخرى وهي المناسبات الدينية التي بدأها البنا بالخطابة في وحدة عسكرية التقى فيها بأنور السادات، ثم توطدت العلاقة بينهما بعد ذلك بشكل أدى إلى تعرف البنا على مجموعة من الضباط من خلال صلته بالسادات ، وانضم بعضهم للجماعة.
وقام حسن البنا بترتيب اللقاء الأول بين الضباط و عزيز المصري في عيادة أحد الأطباء المنتمين لجماعة الإخوان وهو الدكتور إبراهيم حسن سنة 1940، وتناول البحث ما تعانيه مصر من الاحتلال الإنجليزي الأمر الذي يستوجب القيام بعمل عسكري تسانده الإخوان ومصر الفتاة . وكان البنا حذرا من مثل هذا العرض، وأوضح ذلك للمجتمعين حين عرض قلة السلاح ونوعه للإعداد لمثل هذا العمل، لكن قناعة المصري والضباط بأنه لا سبيل إلا ذلك فقام بمحاولة الهروب إلى الألمان ومعه أحد الضباط وهو عبد المنعم عبد الرءوف لكنها فشلت .
وعلى الرغم من فشل هذه المحاولة إلا أن صلة الضباط بعزيز المصري وتأثرهم به، إلى جانب تأثرهم بالفكر الديني من خلال صلتهم بالإخوان قد ميز جهودهم – في الغالب – في الفترة التالية.
وبعد اعتقال السادات بتهمة الاتصال بالألمان استمرت اللقاءات بين البنا والضباط من خلال عبد المنعم عبد الرؤوف حتى هرب السادات من السجن في نوفمبر سنة 1944 ليعاود دوره في توطيد الاتصال بين الجانبين، لكن توترا قد انتاب العلاقة بينهما بسبب اتصال البنا بالقصر . وعادت العلاقة بينهما – بشكل متقطع وفردي – بعد الحرب العالمية الثانية إلى أن توثقت مرة أخرى خلال حرب فلسطين حيث تمكنت الجماعة من ضم مجموعة من الضباط إلى صفوفها ليتولوا تدريب المتطوعين الإخوان ، كما أبدى الضباط إعجابا شديدًا بقدرة متطوعة الإخوان وجرأته من خلال دورهم في الحرب حيث تمكنوا من فك الحصار الذي ضربه اليهود
واستمر الاتصال بينهما بشكل أقل – من خلال الدور الذي شارك فيه كليهما – ودون تنسيق مع الآخر في حرب الفدائيين في منطقة القناة عامي 1950، 1951م ، وترجع قلة الاتصال إلى ارتياب بعض الضباط من الهضيبي المرشد الجديد للإخوان بسبب صلته بالقصر، إلا أن الهضيبي قد استطاع أن يبدد ذلك الارتياب من جهة والضرورة الملحة أمام الضباط من جهة أخرى قد فرضت على الضباط ضرورة الاتفاق على دور الإخوان في أحداث سنة 1952 . وحدثت مشاورات كثيرة حول تصور الجانبين لنظام الحكم إذا نجح الانقلاب هل يكون للضباط أم للإخوان أم يضمهما معا أم لشخصية مستقلة تنال موافقتها.
ومن المؤكد أن حذر كل منهما من الآخر – وبخاصة الضباط – قد دعاهما لقبول الحل الوسط وهو الاتفاق على شخصية علي ماهر ليرأس الوزارة الأولى. وحينما تحول الحكم إلى الضباط حاولوا أن يبرروا للإخوان إبعادهم لعلي ماهر بأنه قد عطل الدستور ولا يصلح للاستمرار ، وأنهم سيحكمون حكما إسلاميا، وأن المشارات بينهما حول ذلك لن تتوقف، وه أمور كان يرمي الضباط بها إلى استمرار دعم الإخوان وتأييدهم، أو ربما حذر من هياج الإخوان الذي كانوا يحسبون حسابه ضد حركتهم وهي ما زالت في مهدها وبخاصة لوجود العديد من الضباط من ذوي الميول الإخوانية. ولم تكن هناك مخاوف لدى الضباط من احتمالات تدخل أجنبي بعد أن اطمأنوا – إلى حد ما – من الموقف الأمريكي .
فلم يستطع المرشد الجديد حسن الهضيبي – برغم ما تحلي به من صفات وما بذله من جهد – أن يملأ فراغ سلفه مما أدى إلى استمرار التصدع، بل الضعف، الذي انتاب الجماعة وهو أمر دللت عليه كتابات الغزالي في “معالم الحق” ومقالات محمد البنا “وبعد أيها الإخوان” وغيرها. أن عبدالناصر خاف من ازدواجية الولاء داخل التنظيم وهو ما توافق مع رؤية الإخوان في عدم التعرض لهم مع عدم التورط معهم إلا أن عبدالمنعم عبدالرؤوف حاول احتواء التنظيم داخل الإخوان ليصدر عبدالناصر قراراً بفصله من الهيئة التأسيسية وإن ظل عبدالمنعم عضواً في التنظيم.
قصة أخري تؤصل الاختراق الإسلاميين للجيش عن طريق عبود الزمر الذي انضم إلي المخابرات الحربية وكان برتبة ملازم أول وشارك في حربي الاستنزاف وأكتوبر ونظراً لدوره المشرف في هذه الحروب تمت ترقيته إلي «نقيب» وبدأ الزمر يفكر في الإسلام المتشدد عندما توفي والده ورأي بعينه بعض أصدقائه يلقون حتفهم بعد أن قفزوا من الطائرة أثناء التدريبات العسكرية ولم ينفتح البراشوت وأيضاً ساهم امداد ابن عمه طارق الزمر له بالكتب الإسلامية لأئمة الإسلام المتشددين مثل ابن تيمية في أن يتجه إلي الفكر الجهادي وعندما اندلعت اضطرابات 1977 وفشلت الشرطة في احتوائها تدخلت القوات المسلحة لقمع هذه الاضطرابات بأوامر السادات مما جعل الزمر يخشي من استخدام القوات المسلحة في مواجهة الإسلاميين إلي أن التقي محمد عبدالسلام فرج صاحب كتاب الفريضة الغائبة بتنسيق مع طارق الزمر وشكل تنظيماً داخل الجيش حرص علي ألا يعرف أعضاؤه إلا القليل من المعلومات وعندما رأي عبود أن التنظيم بلغ أشده من وجهة نظره قرر التخلص من السادات الذي رآه لا يحكم بالشريعة الإسلامية وأيضاً لتوقيعه معاهدة كامب ديفيد، واعدامه لصالح سرية وهو ما يؤكد أن جماعة الجهاد اخترقت الجيش في ذلك التوقيت حين وضع الزمر خطة لقتل السادات في القناطر الخيرية، إلا أن الخطة فشلت فأعد خطة بديلة اعتزم تنفيذها بمفرده لكنها باءت أيضاً بالفشل، وتواترت معلومات عن تنظيم الزمر ليسارع بالاختباء والهرب وكان من أعضاء تنظيم الجهاد «خالد الإسلامبولي» وتم اختياره لاغتيال السادات أثناء العرض العسكري في 6 أكتوبر 1981 إلا أن «الزمر» اعترض نظراً لعدم اكتمال خطة الجهاد في السيطرة علي البلاد وتخوفه من انتقام السادات حالة افلاته من الاغتيال وبعد مناقشات عديدة اتفق أعضاء التنظيم علي الفصل بين المجموعة التي سوف تنفذ العملية وبقية التنظيم كاحتياطات أمنية علي أن يتم تفجير المنصة بالكامل واعد عبود الزمر بياناً مسجلاً علي شريط فيديو بصوته وهو يرتدي ملابسه العسكرية ليذيعه علي الشعب، ويدعوه إلي التضامن مع ما سيقوم به من انقلاب وذلك بعد الاستيلاء علي مبني الاذاعة والتليفزيون وبقية القصة معروفة من قيام خالد الإسلامبولي الملازم أول في الجيش وعبدالحميد عبدالسلام ملازم أول وعطا طايل ضابط مهندس وحسين عباس رقيب متطوع ومحمد طارق إبراهيم ضابط احتياطي وطبيب أسنان وفضلا عن مدنيين من خارج الجيش اشتركوا في هذه العملية أيضاً إذا استعرضنا قضية الفنية العسكرية فإن مختار نوح يعدها أول محاولة انقلاب إسلامي عسكري في القرن العشرين واتهم فيها الفلسطيني صالح سرية والذي اتهمته النيابة بالقيام بهذه العملية من أجل تمكين الإخوان المسلمين من الاستيلاء علي الحكم بالقوة، وقال انه لم يقصد هذا بالضبط بل حاول قلب نظام الحكم بالقوة لاقامة الدولة الإسلامية بغض النظر عن موافقة هذا الانقلاب مع الإخوان أم لا وقد وجهت له النيابة هذا بعد أن اكتشفت اتصاله المباشر بقيادات في جماعة الإخوان المسلمين وسرد سرية خطته في التحقيقات قائلاً انه كان من المقرر خروجهم من مبني الكلية الفنية العسكرية في صباح الخميس 18 ابريل 74 ليستقلوا سيارات أتوبيس الكلية المخصصة لنقل الخبراء الأجانب بقيادة بعض أعضاء التنظيم علي أن تتجه السيارات إلي اجتماع اللجنة المركزية بالاتحاد الاشتراكي وينزل منها أعضاء التنظيم سريعاً وهم يهتفون أن القاعة بها متفجرات وأنهم قادمون لازالتها مما سيصيب الحراس بالذهول ويخشون من اطلاق النيران علي القاعة المتواجد بها الرئيس السادات والذي كان سيتم احتجازه واجباره علي التنازل عن الحكم وأن يذيع بنفسه بياناً بالتخلي عن الرئاسة وأن رفض كان سيتم اجبار وزير الإعلام تحت ضغط القوة المسلحة علي إعلان وقوع ثورة مسلحة استولت علي الحكم واعتقلت كل المسئولين وعلي رأسهم رئيس الجمهورية ومما يؤكد تورط الإخوان المسلمين في محاولة الانقلاب الفاشلة هذه أن طلال الأنصاري المتهم الثاني في القضية أكد أنه بايع المرشد العام حسن الهضيبي في هذا الوقت بمنزله في منيل الروضة بحضور الشيخ علي إسماعيل شقيق الشيخ عبدالفتاح إسماعيل الذي تم اعدامه بصحبة سيد قطب وأيضاً اعترف الأنصاري أن صالح سرية عرض علي قيادات الإخوان خطة الانقلاب العسكري عن طريق تجنيد طلاب الكلية الفنية العسرية وأن الهضيبي وافق علي هذه الخطة.
الكاتب :
الدكتور عادل عامر
دكتوراه في القانون وخبير في القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وعضو بالمعهد العربي الاوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول العربية