كويت نيوز :
إن التناقض بين الإخوان والولايات المتحدة الأمريكية تناقض جوهرى مثل التناقض بين الاشتراكية والرأسمالية، بين الديموقراطية والاستبداد، بين التحرر والاستعباد. هما نقيضان. وهذا لا يمنع من تفاهم النقيضين كما هو الحال فى قانون الجدل، بين الموضوع ونقيضه. إذ لا ينفى أحدهما الآخر. التحدى هو إيجاد المركب بين الموضوع ونقيضه كما حاولت مصر والهند ويوغوسلافيا فى أوائل الستينيات فى حلف مجموعة عدم الانحياز وتأسيس كتلة العالم الثالث التى تمثل ثلاثة أرباع العالم فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. لقد اتهم الإخوان من قبل وحتى الآن بأنهم أصحاب تحالفات، وليسوا أصحاب مبادئ. وربما فرضت الظروف ذلك حتى يقل تعذيبهم ومطاردتهم ووضعهم فى السجون. اتهم الإخوان بأنهم كانوا ممالقين للقصر قبل ثورة يوليو 1952، وأن حسن البنا بعد زيارته للملك فاروق أعلن أنها زيارة كريمة لملك كريم . ولم يكونوا جزءا من لجنة الطلبة والعمال فى 1946. فهم ليسوا فقط جماعة سياسية تشارك فى النضال الوطنى بل هى ايضا جماعة تريد أن تعيش وتستمر. ومع ذلك حدث لها ما حدث. فقد استشهد زعيمها ومؤسسها حسن البنا فى 1949 بتآمر الإنجليز والقصر. كما اتهم الإخوان بأنهم الجناح العسكرى لمصر الفتاة التى كان لديها تنظيمها الخاص، القمصان الخضر. وكلاهما يؤمنان بالعنف. وكانوا على صلة بالضباط الأحرار منذ 1948 فى فلسطين. وكان جزء كبير من الضباط الأحرار ومن مجلس قيادة الثورة من الإخوان. وقد اتهموا بعد اندلاع الثورة بأنهم على صلة بالأمريكيين ربما لمساعدتهم على إخراج الإنجليز من مصر قبل أن تحدث القطيعة بينهما بعد عقد انفاقية الجلاء بين مجلس قيادة الثورة وبريطانيا على الجلاء على أن يعودوا إلى مدن القناة ومطاراتها فى حالة الضرورة القصوى. ثم خرجوا من السجون فى 1956 لدرء العدوان الثلاثى على مصر والدفاع عن بورسعيد. وأعدم سيد قطب شنقا فى 1966 بتهمة تأسيس تنظيم سرى وهو فى السجن للانقلاب على الثورة. ثم أخرجهم الرئيس المقتول من السجون ليسا حبا فيهم ولكن لاستعمالهم ضد خصومه الناصريين والماركسيين واليساريين الذين عارضوا سياسة الانفتاح الاقتصادى، وقوانين الاستثمار، والارتماء فى أحضان أمريكا، والقطيعة مع العرب بعد زيارة القدس تحت الاحتلال فى 1977، واتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل فى 1978، ثم اتفاقية السلام فى 1979 التى جعلت سيناء منزوعة السلاح منقوصة السيادة، وبداية التطبيع مع العدو الصهيونى والأراضى العربية فى الضفة والجولان مازالت ترزخ تحت الاحتلال. ثم استمروا فى السجون طول عهد الرئيس المخلوع صاحب الحلف الدائم مع الولايات المتحدة الأمريكية واستمرار التطبيع مع العدو الصهيونى مادام يقبض الثمن بنهب المال العام هو وأسرته وحاشيته. واستعملهم فزاعة لتخويف أمريكا. فكانوا هم الذين تحملوا العبء الأكبر فى معارضة نظامه.
القوميون العرب شكلوا تهديداً صارخاً للمصالح البريطانية والأميركية، فكان دعم الإخوان من لندن وواشنطن على نحو واسع تجاوز الحدود المصرية فتم افتتاح المركز الإسلامي في جنيف عام 1961، بضمانة أمريكية، وبات يمثل نقطة انطلاق إيديولوجية وثقافة الإخوان في أوروبا.وحديثاً وجدت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، أن تستعين بالجماعة وغيرها من الجماعات الإسلامية المعتدلة في مواجهة تلك التي كانت تصفها بـ”المتطرفة”، فعمل على عقد لقاءات مع الإخوان خلال الولاية الثانية لبوش عام 2005 وكان أهم هذه اللقاءات ذلك الذي عقد عام 2008 في واشنطن مع مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي، والذي تم خلاله الاتفاق على برنامج عمل متواصل لمستقبل العلاقات بين الطرفين.من الواضح من قراءة التاريخ أن العلاقات الأميركية الإخوانية لم تكن وليدة الصدفة، بل لها تاريخ كبير مليء بالتعاون المشترك وتحقيق المصالح المتبادلة، ومرت بمراحل مختلفة ما بين الاستقطاب، وملئ الفراغ ومواجهة التحديات والتي اعتبرت آنذاك مشتركة وتُطرح العديد من التساؤلات، ماذا سيكون موقف الإسلاميين من القضية الفلسطينية وتحرير القدس في ظل هذا التوافق مع الإدارة الأميركية؟ وهل ستقبل واشنطن تهديد “إسرائيل” أم يمكنها التوصل إلى توافق سياسي محدد الوقت والهدف على غرار ما كان يحدث في الماضي بين الإخوان والأمريكان؟ وماذا عن مشروع الإخوان نحو استعادة الخلافة الإسلامية؟ مع التقدير وقد يتساءل البعض هل تخلت واشنطن عن الإخوان؟ وهل ما قاله كيرى إن واشنطن لا تقوم بإرضاء أو استرضاء الإخوان ينذر بتوتر ما بين واشنطن والإخوان؟ نعم لم نسمع بعد رأى أهل كايرو «الاتحادية» و«المقطم» فى هذا الأمر. لم يكن المصريين فقط هم من أصابتهم الصدمة من تعيين إرهابيا كمحافظ للأقصر حيث أثار التعيين المفاجئ للإرهابي عادل محمد الخياط سخط الإعلام الغربي خلال ساعات خاصة أن إسم ذلك الإرهابي لا ينساه الغرب على الإطلاق لتورطه في حادثة الأقصر الشهيرة التى تورط فيها في قتل 60 سائحا وهي الحادثة التى ذهبت بوزير الداخلية وقتها وأتت بحبيب العادلي لتولي وزارة الداخلية في مصر حتى سقوط مبارك الذي قارنت كثير من صحف اليوم مواقفه بمواقف محمد مرسي بينما تحدث الجلوبال بوست عن (الخطيئة التى إرتكبها أوباما) بدعمه إرهابي لرئاسة مصر وأن ما كان يخشاه الجميع أصبح محققا بعد أن أصبحت الدولة المصرية قاعدة لدعم الإرهابيين ومكافأتهم ويوميا تبدو مواقف الأوروبيين أكثر صرامة تجاه محمد مرسي ونظامه وهو ما جعله يفشل في الحصول على أي مساعدات من دول الإتحاد الأوروبي الذي توقع كثيرون فيه أن تكون نهاية محمد مرسي دموية للغاية بسبب حالة الكراهية غير المسبوقة له في الشارع المصري الذي (تدرب على ممارسة العنف لأكثر من عامين) وعلق اليوم أحد ضيوف فرنسا 24 على الأحداث في مصر بأن الرئيس المصري لا يفهم أن شعبه الذي نظر إلى نهاية القذافي بكثيرمن الإمتعاض والرفض للطريقة التى قتل بها القذافي قد أصبح أكثر ميلا للعنف وأن كثيرين داخل مصر يتحدثون بمنتهى الصراحة والإرتياح عن مصير مشابه لمحمد مرسي وأركان حكمه ولا نعرف هل سينعكس هذا التوتر خصوصا إذا اشتد وازداد التوتر فى ردود أفعال سياسية أو إعلامية وتصريحات تخرج من القاهرة ترفض أو تندد بما قاله كيرى.. وبالتالى تتلبد الأجواء ما بين واشنطن والقاهرة. وبما أن علامات الاستفهام وعلامات التعجب تزداد يوما بعد يوم.. فمنذ متى بدأت واشنطن تعيد النظر أو تراجع موقفها مما يجرى فى مصر ومن الإخوان تحديدا؟ هل مع إصدار الإعلان الدستورى و«تمركز أو تكويش» السلطات لدى الرئيس مع نهاية العام الماضي؟ أم بعد زيارة كيرى للقاهرة و«بلورة صورة أفضل لديه» عما يجرى فى مصر وربما «تأكده أن المطلوب من واشنطن فقط هو دفع مصاريف أو تكاليف أخطاء الإخوان»؟ أم كانت الأسابيع التى تلت الزيارة من «مطاردة للإعلام وحرية التعبير» وتزايد أجواء تحقير المرأة وتخوين المجتمع المدنى وأيضا «التهوين من شكاوى الأقباط» ثم الاعتداء على الكاتدرائية. ولا بد من التنبيه هنا بأن مثلما لا يريد المصريون تكرار ما كان قائما من قبل فإن واشنطن -كما قالت وأعلنت- لا تريد ما كانت تفعله من قبل.. لن تبحث عن ديكتاتور جديد ولا تريد أن تعيد «اللعبة إياها» التى ملّت منها مع مبارك. وكما نبه أكثر من عضو فى الكونجرس.. لا يجب التشبث بل يجب التخلى عن المعادلة القديمة: الاستقرار مقابل الديكتاتورية. مرر مجلس النواب الأمريكى (بالإجماع) تعديلا على مشروع قانون المخصصات الدفاعية للسنة المالية 2013، يحظر تقديم أى تمويلات أو مساعدات عسكرية إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يبرز شكوكًا داخل الكونجرس الأمريكى تجاه الجماعة التى وصل مرشحها محمد مرسى إلى حكم مصر، على الرغم من الاعتقاد الشائع بدعم إدارة الرئيس باراك أوباما، لصعود الإخوان فى أكبر بلد عربى. التعديل تقدم به النائب بول جوسار، الجمهورى عن ولاية أريزونا، ويضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الكيانات والدول التى يحظر تقديم أى مساعدات عسكرية لها، وتضم إيران وسوريا وحماس وحزب الله. وتقدم النائب جوسار بتعديل مشابه العام الماضى، وصادق عليه مجلس النواب، وكان مدرجًا ضمن قانون هذا العام. وقال جوسار فى بيان إن «الحجة ضد كل من تلك الكيانات موثقة جيدًا: كل من تلك الكيانات إما أنه رعى أنشطة إرهابية، أو نفذت أنشطة إرهابية أو انخرطت فى انتهاكات بشعة لحقوق الإنسان». وأضاف أن «أيًّا من تلك الكيانات ليس وديًّا تجاه الولايات المتحدة، وكل منهم يكن مشاعر العداء لصديقتنا وحليفتنا إسرائيل. وحكومتنا يجب أن لا تكافئ تصرفهم السيئ. إن أى دولة ترفض أن تعترف وتتعايش سلميًّا مع إسرائيل يجب أن لا تمنح سنتا واحدا من الولايات المتحدة.. هذه الكيانات غير جديرة بالثقة».وأقر مجلس النواب الأمريكى القانون وتعديلاته فى 19 من يوليو الحالى بأغلبية 326 إلى 90 صوتًا، وتمت إحالته إلى مجلس الشيوخ فى 23 من يوليو، حيث أحاله إلى لجنة المخصصات بالمجلس لدراسته قبل إقراره بشكل نهائى. والواقع فإن الخطاب الأمريكي الجديد في هذه الإدارة فيما يتعلق بالتعاطي مع ما يجري في مصر يمكن فهمه على أن الرسالة وصلت جيدًا للبيت الأبيض بأن الانتفاضة هذه المرة هي انتفاضة شعبيَّة لا تحركها القوى الإسلاميَّة، وخاصَّة جماعة الإخوان المسلمين، بعدما ظلَّ النظام المصري يصدر إشارات واضحة للإدارة الأمريكية بأن الإخوان أو القوى الإسلاميَّة عمومًا هم البديل السريع لأي تحوُّل في بنية وقاعدة النظام القائم، حتى تأكَّد لإدارة البيت الأبيض من خلال المظاهرات الجارية حاليا بأنها هبَّة شعبيَّة، أطلقها عامة الناس، بعيدًا عن أيدلوجيات أو توجهات فكريَّة. وعليه يمكن تفسير الموقف الأمريكي بالحرص على أن تكون أيَّة تحولات قد تطرأ في المشهد المصري تحت الرعاية الأمريكيَّة، باعتبار القاهرة الحليف الرئيس لها في المنطقة بعد إسرائيل، فضلا عن رغبتها في تحسين صورتها المشوَّهَة منذ فترة الإدارة السابقة، والعالقة في أذهان الشعوب العربيَّة والإسلاميَّة بممارسة إدارة البيت الأبيض للقهر والاستبداد على نحو ما يجري من احتلال لها لكل من العراق وقبلها أفغانستان. وربما يكون التفسير الأخير هو الأقرب لفهم سرعة رد الفعل الأمريكي على المظاهرات في مصر، واستيعاب الإدارة الأمريكية للدرس جيدًا من الثورة التونسية، بعدما ظلت معلقة إبداء رأيها خلال اندلاعها، إلى أن تحقّق لها ما أرادت بسقوط الرئيس وما صار يُطلق عليه حاليًا بتهاوي النظام. هذه الرسائل الواردة من البيت الأبيض تفتح العديد من علامات الاستفهام حول ما إذا كانت الإدارة الأمريكية قد بدأت تتخلَّى عن الأنظمة العربيَّة، وخاصة المستبدة منها، وفتح أفق جديد لها في الشارع العربي، لعله يساهم في تحسين صورتها، فضلا عن عدم إفلات أيَّة أنظمة جديدة منها قد تتولى سدة الحكم بالعالم العربي، بما يحقِّق المصالح الأمريكيَّة في المنطقة من ناحية، ويضمن في المقام الأول تأمين الكيان الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه لا يعزّز من فرص وصول الإسلاميين إلى السلطة أو الاقتراب منها. فماذا يعنى التعاون بين الإخوان وأمريكا؟
الكاتب :
الدكتور عادل عامر
دكتوراه في القانون وخبير في القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وعضو بالمعهد العربي الاوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول العربية