كويت نيوز :
ان زرع الفساد المالي والإداري وسيلة أساسية من وسائل زرع التخلف والتدمير الداخلي لما لهما من انعكاسات اجتماعية واقتصادية. وعملية التجسس الاقتصادي تهدف في المقام الأول إلى خدمة أجندة الدولة التي تقوم بها وتهدف أيضاً إلى تدمير الاقتصاد الوطني للدولة المستهدفة ويتم الأخير عن طريق تزوير العملة وإغراق الأسواق بما هب ودب من السلع المغشوشة ناهيك عن الوسائل غير الخفية مثل الحصار والمقاطعة التي تمارس هذه الأيام وعلى رؤوس الإشهاد ضد كل من تسول له نفسه الشموخ أو المطالبة بالعدل وإحقاق الحق أو ممارسة ما هو حق مشروع له. ولاشك إن الإعلام يقوم بدور فاعل في مساعدة وتحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية وحتى الاجتماعية والثقافية التي يتبناها الخصم ولهذا السبب أنشأت الدول المختلفة بل وكالات المخابرات المختلفة محطات فضائية تخدم أجندتها وتوجهاتها وأهدافها حيث أصبحت تلك المحطات بوقاً ناطقاً ومعول هدم لهذه الجهة أو تلك. نعم إن العلاقة بين الإعلام وعالم المخابرات علاقة متشابكة لا يمكن الفصل بينهما ذلك ان هناك نقاط تقاطع ونقاط التقاء. فالإعلام يقدم دائماً معلومات هامة لأجهزة المخابرات كما يقوم بتقديم مقالات وبرامج وأخبار تخدم توجهاتها وأهدافها. ومن الأمثلة على اهتمام وكالات المخابرات بالإعلام، ان وكالة (CIA) الأمريكية يوجد لديها عدة مئات من الإعلاميين والمراسلين والصحفيين الذين يعملون لحسابها مباشرة منتشرين في جميع أنحاء العالم ومهمتهم جمع ما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة وتحليلها وإرسالها إلى مقر الوكالة. ومن أحدث أساليب جمع المعلومات والتجسس ظهور شركات خدمات تقوم بجمع المعلومات لصالح وكالات المخابرات في مقابل مادي ومما يسهل الحصول على المعلومات لصالح هذه الجهة أو تلك سهولة اختراق شبكات الحواسيب سواء تلك التي تتبع المؤسسات الخاصة أو تلك التي تتبع الدولة أو حتى الحواسيب الشخصية. وهذا الأسلوب أصبح له أهمية كبيرة إلى درجة ان وكالات الأنباء تتناقل كل يوم إنباء الاختراقات التي تحدث في المؤسسات المالية والصناعية وكذلك العسكرية في كل من أمريكا وغيرها من الدول. هذا غير استخدام طائرات التجسس أو الأقمار الصناعية المزودة بأجهزة خاصة للاستشعار عن بعد وآلات تصوير ذات تقنيات عالية تستطيع نقل المعلومات عن الموارد الاقتصادية والثروات الطبيعية والأنشطة ذات العلاقة سواء كانت على سطح الأرض أو في باطنها، وبعض هذه الأنشطة يتم بصورة مشروعة مثل استخدام الطائرات من قبل الشركات التي تنتمي إلى الدولة ذات العلاقة لأغراض المسح الجيولوجي أو التطوير الزراعي أو تخطيط الأراضي أو غيرها من الأهداف. وعلى أية حال فإن للتجسس وسائله المختلفة الأخرى وهو يختلف صعوداً وهبوطاً تبعاً لأهمية المعلومة التي يتم البحث عنها وتبعاً لأهمية الموقع الجغرافي وأثره الاقتصادي. نعم لقد وصل الأمر في بعض الأحيان ان التجسس لا يكفي لإحكام قبضة الدولة المستفيدة على الدولة الضحية، ولذلك يتم اللجوء في مثل هذه الحالة إلى ان تتدخل سفارة تلك الدولة في الشؤون الداخلية للدولة الضحية وتصبح هي الحاكم الآمر من خلف الكواليس ومثل هذا الأمر يحدث في دول عديدة في كل من إفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا وخير شاهد على ذلك الوضع في أفغانستان والعراق وغيرهما. مع ازدياد سهولة ارتكاب الجرائم الاقتصادية – والتي أصبحت في بعض الحالات بنفس سهولة تحميل بيانات والضغط على زر «إرسال» في محاولة منها للفت الانتباه إلى تطور وتزايد الهجمات عبر الإنترنت ضد الشركات العملاقة، استخدمت شركة مكافي المتخصصة في إنتاج برامج مضادة لفيروسات الحواسيب اسما جذابا هو “تنين الليل” للإعلان عن قدوم سلسلة من الهجمات عبر الفضاء الإلكتروني ضد خمس شركات نفط عالمية بهدف سرقة معلومات إستراتيجية.وحازت القضية على اهتمام بالغ، غير أنها لم تكن الوحيدة من نوعها، فقد أشارت تقارير إلى حدوث وقائع أخرى للتجسس الصناعي باستخدام شبكة الإنترنت في الأشهر الأخيرة، بينها تسلل إلى الموقع الإلكتروني لبنك الاستثمار التابع لمؤسسة مورغان ستانلي للخدمات المالية الدولية.ومن هذه الهجمات ما تعرض لها موقع غوغل والتي انتشرت إلى عشرات من الشركات الأخرى والبرمجيات الخبيثة في البرامج التطبيقية بالحاسوب، وتستخدم في نظام التشغيل للهواتف المحمولة المتطورة.وتعد الهواتف المحمولة الذكية التي يمكنها الاتصال بالإنترنت الهدف المفضل للصوص المعلومات لأن أصحابها في الغالب امتلكوها بغرض الاستخدام الخاص، وتفتقر إلى برامج الحماية من الفيروسات أو أي آلية أخرى للحماية بعكس جهاز الحاسوب الشخصي.والقاسم المشترك بين هذه الوقائع جميعها أن ضحايا التجسس الإلكتروني هي الشركات الكبرى التي تتعامل مع قدر كبير من البيانات الثمينة في العديد من المجالات، وبات التجسس الصناعي مرتبطا بشكل أكبر بالتقنية بسبب دورها المتعاظم في الأنشطة التجارية والاقتصادية.
متسللون صينيون
وقاد الهجمات في “ليلة التنين” مجموعة من المتسللين الصينيين إلى برامج الحاسوب لاستخلاص وثائق اقتصادية مستغلين ثغرات في أنظمة تشغيل مايكروسوفت من خلال إرسال رسائل إلكترونية ملوثة إلى المديرين واستخدام أدوات الإدارة عن بعد.ورغم اتسام عملية ليلة التنين بالكفاءة فإنها لم تكن على درجة عالية من التطور التقني وفقا لمكافي، وأدت إلى دق ناقوس الخطر حول أنظمة التأمين الحالية.وحدثت العملية في نوفمبر/تشرين الثاني 2009، غير أنها قد تكون بدأت عام 2007 ويمكن أن تكون مستمرة.واعتبرت مكافي في تقرير لها أنها دخلت في عام 2010 عقدا جديدا لعالم تأمين الفضاء الإلكتروني، مشيرة إلى أن العقد السابق كان يشوبه عدم النضج وافتقار إلى التطور التقني في مجال التأمين، الأمر الذي شجع على حدوث تفشٍّ خطير للفيروسات مثل “كود رد” و”نيمدا” و”بلاستر” و”ماي دووم”، وهي فيروسات ضربت أنظمة الحواسيب.وأضاف التقرير أن مجتمع التأمين المعلوماتي تطور وأصبح أكثر تقدما من الناحية التقنية فيما يتعلق بتحقيق التأمين للبرامج والأنظمة وتحقيق الأمان عند استخدام الحاسوب وتقوية أنظمة التشغيل، غير “أن خصومنا فعلوا هذه الخطوات بالمثل”.قلق حكومي ويسبب التجسس الصناعي من خلال الإنترنت قلقا لكثير من الحكومات بما فيها الصين التي تقول إنها وقعت ضحية لهذه التهديدات، وذكر تقرير أصدرته شركة “سوفوس” لإنتاج البرامج المضادة لفيروسات الحواسيب في تقرير لها إن عام 2010 شهد نقطة تحول فيما يتعلق بسرقة المعلومات بسبب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية وكذلك برامج الهواتف المحمولة المتطورة.وأضافت الشركة أنها كانت تتعرف على 95 ألف برنامج خبيث كل يوم، بما يعادل ضعف ما كانت تتعرف عليه عام 2009 تقريبا.ويعتقد الكثير من الخبراء أن مؤسسات الدولة في بكين متورطة في عمليات التجسس على الشركات، وثمة دول أخرى مثل روسيا وفرنسا وإسرائيل تمارس نشاطا في التسلل غير المشروع إلى البرامج الحكومية إلى جانب البرامج الخاصة بالأنشطة التجارية.ويبدو أن أفضل طريقة للدفاع عن النفس في مواجهة التجسس هي مزيج من تحسين التأمين التقني وحسن التمييز لأن الأفراد في النهاية هم المشتركون في هذه العملية.- يقول محللون محليون إن بعض الشركات الأميركية يجب أن تتحمل بعض اللوم عن السرقات التي تقع بسبب عدم فرضها رقابة مناسبة على موظفيها. مثلا، داخل «موتورولا»، تكشف وثائق المحكمة أن جين، مهندسة البرمجيات، قامت بتحميل وثائق تخص الشركة خلال إجازتين مرضيتين حصلت عليهما وعمدت إلى الدخول إلى الحواسب الآلية الخاصة بالشركة من الصين، حيث قابلت مسئولين من شركة على صلة بالمؤسسة العسكرية الصينية، حسبما ذكر المحققون.. وركزت الحكومة على وثائق تكشف أن المهندسين كانا يعملان مع رجل أعمال في الصين ويسعيان للحصول على تمويل من «برنامج 863» الصيني لبناء شركة لصناعة الأقراص متناهية الصغر، التي تدعم تطوير تقنيات ذات تطبيقات عسكرية. وإذا آن قد برزت الجريمة الاقتصادية بصورة واضحة خلال القرنين الماضيين ، فإن ذلك يرجع لأهمية الحياة الاقتصادية في حياة الدول وأمنها واستقرارها ، وإلى الفوارق الطبقية التي تجلت فيهما بوضوح ، وعصفت بكثير من الأنظمة الاجتماعية فأسقطتها. ومنذ القرن التاسع عشر .. بدأت النصوص القانونية ذات الطابع الاقتصادي تأخذ دورها في التشريع الجزائي ، إلا أنها برزت بشكل واضح خلال النصف الثاني من هذا القرن ، وخاصة في الدول التي نحت منحى الاقتصاد الموجه ، وان الضرورة فيها ملحة لإصدار تشريعات تحمي التحولات الاقتصادية من العبث والتسلط والفوضى والفساد. وآن هذه النصوص القانونية إما أن تصدر بصورة مستقلة وإما ضمن القانون العام ، ومن خلالها تجلت بشكل واضح الجريمة الاقتصادية. ولقد اعتبر بعض شراح القانون أن ظهور الجرائم الاقتصادية واحتلالها الأهمية التي فاقت جرائم الاعتداء على الأشخاص هو من أهم خصائص القرن العشرين . لأنها جرائم حضارية مرهونة بنظام الدولة حين تبلغ درجة معينة من التطور الحضاري . ولقد لقى هذا الاتجاه التشريعي نحو تدخل قانون العقوبات لحماية الاقتصاد ترحيبًا من الفقه الجزائي ؛ لأن على المشرع أن ( يحمي سياسته الاقتصادية بالتهديد بإجراءات شديدة تصيب المخالفين. لكن الحق يقال بأنه منذ القرن الماضي – القرن العشرين – وتحديدًا ق أثناء الحرب العالمية الأولى وذلك الحرب العالمية الثانية ظهرت جرائم اقتصادية تمثلت في احتكار السلع والمواد الغذائية والتلاعب في أسعارها بواسطة فئات محددة من التجار مما دعي الحكومات إلى التحرك لتجرم أية أشكال احتكارية أو تلاعبًا في الأسعار وظهرت لأول مرة فكرة أن يتم الاستعانة بالموظفين العموميين في الحكومة لضبط تلك المخالفات بدلاً من الاستعانة برجال الشرطة ، وان من الضروري منح الموظفين العموميين أو المكلفين بخدمة عامة صفة الضبطية القضائية لأداء مهامهم المكلفين بها ، وظهرت في تلك الحقبة فكرة الضبطية ( القضائية لموظفي الحكومة . في الثلاثين عامًا الأخيرة من القرن العشرين وبسبب فكرة العولمة ، واعتبار العالم قرية آونية صغيرة بسبب ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتطورات الحاسب الآلي ظهرت أنواع وأنماط أخرى من الجرائم الاقتصادية العصرية أو المستحدثة مثل : جرائم الاحتيالات المالية ، وجرائم النقد والتهريب الجمركي وجرائم الحاسب الآلي والانترنت وجرائم عالم الاقتصاد الخفي مثل ( غسل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها. والحديث عن حرية الإعلام، لا ينسينا حقيقة أن الدول تحتفظ بأسرار في إدارة شؤونها وعلاقاتها، وهي تلجأ لذلك عبر القنوات الدبلوماسية وتجنيد الجواسيس، وإبرام التحالفات والاتفاقات السرية، فلا يعقل أن يتم الكشف عن كل صغيرة وكبيرة في علاقات الدول.
في ظل عالم افتراضي لا تقيده حدود، وتقف الدول وفي مقدمتها الدولة الأعظم بكل أجهزتها ومؤسساتها عاجزة أمامه، وحتى بعد إيقاف السلطات البريطانية أسانج واصل زملاؤه في الموقع نشر الوثائق الأمريكية، وشن أنصاره حرب معلومات إلكترونية، ردا على محاولات عرقلة الوصول إلى الموقع، وتم تعطيل موقعي شركتي بطاقات الائتمان العملاقتين ماستركارد وفيزا وأمازون، بسبب قرارها عدم التعامل مع ويكيليكس تحت ضغوط أمريكية، وفي حرب إلكترونية كهذه لا تنفع معها الترسانة الأمريكية من الأسلحة ”الذكية”! البعض لاحظ أن إسرائيل هي الرابح الأكبر من التسريبات، ولا يظن أحد أن ثمة مؤامرة تقف خلف التسريبات، والسبب الجوهري أن السياسة الإسرائيلية لها وجه واحد، وما تخطط له بالسر يترجم إلى خطط عمل وسياسات عنصرية يدفع الفلسطينيون ثمنها يوميا، وهو نهج خارج سياق الحياة السياسية العربية البعيدة عن الشفافية.
الكاتب :
الدكتور عادل عامر
دكتوراه في القانون وخبير في القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وعضو بالمعهد العربي الاوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول العربية