كويت نيوز :
المقدمة :- إن فكرة الإصلاح كانت ومازالت الهدف الأسمى للعديد من الفلاسفة والقادة والحركات السياسية والاجتماعية في مختلف أرجاء العالم ، فضلاً عن كونها موضوعاً رئيسياً في النظريات السياسية للفلاسفة والمفكرين منذ أيام ميكافيلي في العصور الوسطى حتى كارل ماركس في القرن العشرين .
أما في العالم العربي فان فكرة الإصلاح بدأت في الدولة العثمانية في المجال العسكري بعد الهزيمة التي تعرضت لها أمام روسيا القيصرية عام 1774 ، ثم امتدت لاحقاً إلى المجالات السياسية والإدارية والاجتماعية . عاش الإسلاميون في الغالب، ولفترات طويلة من تاريخهم امتدت لعقود في المنطقة، تحت الحظر والمنع القانوني، وبالتالي كانت كافة أفعالهم وأنشطتهم، مهما تكن سلمية، تقع دائما تحت طائلة التجريم، وتعتبر غالبا مهدِّدة لأمن الدولة والمجتمع، ولم تجعل الأنظمة العربية الحاكمة، وحتى القوي الدولية الكبرى، من الإسلاميين مجرد معارضين سياسيين، بل تم تصنيفهم في الغالب في فئة “الأعداء”، و”المهدِّدين” لأمن الوطن والمواطن.
القتل خارج نطاق القانون
وقد تعرضت أعداد هائلة من الإسلاميين، سواء من القيادات أو الأفراد الذين يمكن عدُّهم بعشرات الآلاف، إلي القمع والمطاردة، وأحيانا كثيرة إلي الإعدام والقتل خارج نطاق القانون. وقد أدي تراكم كل ذلك إلي خلق ذهنيات وثقافة مترسخة لدي قطاعات واسعة من الإسلاميين يطلق عليها البعض ثقافة “المحنة”، وهي المقابل لمفهوم “المظلومية التاريخية بكل ما يرتبط بها ويترتب عليها من أبنية ذهنية ونفسية وسلوكية، مما لا مجال لتفصيله في هذا الصدد، كما أدي ذلك إلي تزكية أنماط من أساليب العمل واتخاذ القرارات. والتحدي في هذا الصدد الذي يفرض نفسه يدور حول مدي استطاعة الإسلاميين إحداث نقلة فكرية وتنظيمية وحركية من ماضيهم القريب إلي الواقع الجديد والمستقبل القريب الذي أصبحوا يعيشونه ويتعاملون به، حيث دفعت الأحداث إلي رحابه. وما هي الضمانات التي يمكن الاتفاق عليها حتى لا يستصحبو في هذه المرحلة الجديدة كل مرارات الفترات السابقة وميراثها، وهي ثقيلة بكل ما يترتب عليه هذا الأمر من آثار وتداعيات؟وما هي الضمانات لكي لا تتحول هذه المرحلة، ولو في بعض أبعادها وجوانبها، إلي منطق تصفية الحسابات مع الخصوم والانتقام من الأعداء، وليس القصاص العادل والمطلوب، من مراحل الفترات الظالمة، والمنقضية، تراثها، ومؤسساتها ورموزها وأشخاصها. وباختصار: كيف يمكن أن نضمن تحقق المصارحة قبل المصالحة، والقصاص في إطار العدالة الناجزة والانتقالية، كما شهدته تجربة جنوب أفريقيا، علي سبيل المثال لا الحصر، ولعل هذا من أهم التحديات التي تواجه الإسلاميين في الحكم حالياً.
إعادة صياغة العلاقات الداخلية للإسلاميين
إعادة صياغة العلاقات الداخلية للإسلاميين، ومع المجتمع”فرضت أوضاع الفترات السابقة للثورات الشعبية العربية وظروفها أنماطا معينة من العلاقات الداخلية والبينية في إطار جماعات الإسلاميين وتنظيماتهم. وقد غلب علي هذه العلاقات بين جماعات الإسلاميين كالإخوان المسلمين، والسلفيين، والجهاديين، والجماعة الإسلامية، وغيرها، طابع التنافس ، وكان أبرزها الضغوط الأمنية التي وظفت الاختلافات، وأذكت التنافس، ورفعت حدة الصراعات، وسعت إلي إحداث الانقسامات والانشقاقات بين الجماعات وداخلها، وضيقت المساحات المتاحة أمام الجميع للحركة والعمل. و الإصلاح هو:( التغيير والتعديل نحو الأفضل لوضع شاذ أو سيء، ولإصلاحاً: ممارسات وسلوكيات مؤسسات فاسدة أو متسلطة أو مجتمعات متخلفة أو إزالة ظلم أو تصحيح خطأ أو تصحيح اعوجاج ) .
يحكم الشعب نفسه بنفسه
الإصلاح السياسي هو خطوات فعالة وجدية تقوم بها الحكومات والمجتمع المدني نحو إيجاد نظم ديمقراطية حقيقية تكون فيها الحرية القيمة العظمى والأساسية وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه من خلال التعددية السياسية التي تؤدي إلى تداول السلطات، وتقوم على احترام جميع الحقوق مع وجود مؤسسات سياسية فعالة على رأسها التشريعية المنتخبة، والقضاء المستقل والحكومة الخاضعة للمساءلة الدستورية والشعبية والأحزاب السياسية بكل تنوعاتها الفكرية . والإصلاح السياسي مرتبط بعملية التغيير وله أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جاءت متضمنة في الكثير من المفاهيم الشائعة مثل: التنمية السياسية Political Development، أو التحديث Modernization، أو التغيير السياسي، Political Change، أو التحول Transition، أو التغيير Changeوهي جلها مفاهيم مرتبطة بالعالم الثالث ومنه الوطن العربي، كما انه يوجد لديها تعريفات متعددة دقيقة وواضحة ، إلا أن مفهوم الإصلاح لا يزال يكتنفه الغموض وذلك لتداخله مع العديد من المفاهيم السابقة، وبالرغم من أن الإصلاح ضرورة ملحة من أجل إعادة ترتيب البيت العربي وتحصينه لمواجهة الاستحقاقات المستقبلية إلا انه ما زال مثار جدل للكثيرين في العالم العربي سواء قادة أو مفكرين أو جماهير، فأهدافه ودوافعه لا يزال يكتنفها الغموض ويكثر حولها الخصام، الأمر الذي يعطل فرص تحقيق إصلاح سياسي في كثير من دول العالم العربي. فهنالك من يعتبر إن العالم حقيقة متغيرة لأن التغيير هو سنة الكون ، لذلك فان الإصلاح السياسي هو عملية حضارية وطبيعية لابد من الدخول فيها من أجل تغيير الوضع الراهن بواقع أفضل ، وهنالك فريق له نظرة أخرى خاصة بعد تبني الولايات المتحدة الأميركية لعدد من المبادرات والمشاريع الإصلاحية ، حيث يرى أن الإصلاح المفروض من الخارج الذي نادي به الغرب هو حلقة جديدة من حلقات الهيمنة والتآمر على العالم العربي ، وهو يهدف إلى تحقيق أجندة خفية خاصة بمصالح الدول الغربية ، لذلك يؤمن هذا الفريق بان الإصلاح لابد وان يكون ذاتياً ولا يأتي من الخارج . ولابد من توفر بعض الشروط حتى يمكن اعتبار أي تغييرات في وضع ما إصلاحاً :
1. أن يكون هناك وضع شاذ يحتاج إلى إصلاح أو علة تحتاج إلى دواء، إذ أنه في ظل غياب الوضع الشاذ فإنه لا مبرر للإصلاح، لأنه يصبح أقرب إلىالشافي.فالعلة قد تكون غياب العدالة أو الحرية أو انتشار الفالاستبداد، وعدم الاستقرار، فالعلة تساعد في تحديد موطن الخلل لكي يتم اختيار العلاج الشافي.
2. أن يكون التغيير نحو الأفضل، مثلاً تسود الحرية محل الاستبداد ، أو العدالة محل الظلم .
3. أن يكون التغييرالسياسية:استمرارية ولا يتم التراجع عنهIrreversible ، فالتغيرات المؤقتة التي يمكن التراجع عنها لا يمكن اعتبارها إصلاحاً بالمعنى الحقيقي ، فتحول نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي هش يمكن زواله بسرعة لا يعتبر إصلاحاً.
تحديات حركة الإصلاح
يمكن تلخيص أبرز التحديات التي يمكن أن تحد من اندفاع حركة الإصلاح خاصة في مجتمعات العالم الثالث التي تعاني من أزمات متعددة تعيق حركة الإصلاح بما يلي :
أولاً- العوامل السياسية : تتعدد العوامل السياسية التي تشكل عقبة في طريق الإصلاح ومنها:
– ضعف الإرادة السياسية لدى والنهضة:اكمة، فالإصلاح يحتاج إلى إرادة سياسية لديها الرغبة الصادقة والقدرة الأكيدة على العمل الجاد وإحداث تغييرات سياسية هامة.
– غياب المؤسسات الدستورية أو ضعفها وفقدانها سلطات التشريع والمراقبة أو اتخاذ القرار، وضعف وغياب مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات واتحادات وجمعيات .
– تدني نسبة المشاركة السياسية لدى الجماهير وخاصة المرأة وغياب الضغط الشعبي مع ضالة الوعي السياسي.
– عدم الاستقرار السياسي والتطرف والفوضى والإرهاب والأزمات والحروب الأهلية.
ثانياً – العوامل الثقافية : حيث تلعب العوامل الثقافية دوراً بارزاً ومؤثراً على الإصلاح السياسي أما بدفع مسيرته إلى الأمام أو العكس بوقف وإعاقة عملية الإصلاح ، ذلك أن تركيبة المجتمع ومؤسساته وقيمه وأنماط سلوكه ، لها دور مباشر في التأثير على الإصلاح سلباً أو إيجاباً.
العوامل الثقافية الدينية
ويعتبر الدين في المجتمعات المحافظة من العوامل الثقافية التي تقف عقبة في طريق الإصلاح، حيث أن عدم دعم ومباركة رجال الدين للكثير من الإصلاحات والتغييرات يفقدها شرعيتها، وبالتالي يتم رفضها .
ثالثاً – العوامل الاقتصادية : تعاني معظم الدول والشعوب من الأزمات الاقتصادية مثل ضعف الموارد والإمكانيات وانتشار الأمية والفقر والبطالة وتفاقم الهوة بين الأغنياء والفقراء ، وبالتالي هذه الأزمات تحول دون تحقيق الإصلاح السياسي الذي يصبح الحديث عنه أشبه بالترف الفكري ومن المؤكد أن بلدان الربيع العربي تسير في اتجاه الإصلاح السياسي بمواقف متنوعة ،
ولكن هنالك إشكاليات تظل ماثلة في الواقع العربي تتخذ مظهرين :-
1. إشكالية بناء مشروع الإصلاح والنهضة : حيث تعتبر قوى وتيارات التغيير داخل البلاد العربية القطرية المجزأة الضعيفة لا تملك مشروعا للإصلاح والنهضة يستجيب لحاجيات شعوبنا وأهدافها في التحرر والتنمية والنهضة.
2. إشكالية وجود قيادة : حيث تظهر الحاجة إلى قيادات وطلائع للإصلاح السياسي والنهضة العمرانية الشاملة ، مشكل قيادات ميدانية يظل محورا مهما في سياق الحركية المنشودة، خاصة إذا أثبتنا حاجة الشعوب إلى قيادات سياسية قادرة على التعبئة والتأطير واقتراح سبل إجرائية وجريئة وتكون قيادات طلائعية تكسب ثقة الجماهير.
إرادة الإصلاح السياسي
والحقيقة إن الإصلاح السياسي يحتاج إلى إرادة والى عمل يرافق هذه الإرادة وان تكون هناك توجهات تجري في جو وفضاء المجتمع المدني والاستقلال بالنسبة إلى الجهات المنوط بها إجراء تحديث وإصلاح وبشكل علمي جدي وليس بشكل عاطفي رغبوي يطور هنا ويستثني هناك وهكذا تكون العملية مبتورة وبالتالي لا يكون هناك أي نتائج مرجوة من هذا الإصلاح . فمن تجربة الإصلاح السياسي في العالم الأوربي نجد هناك تلازما وتفاعلا بين عالم السياسة وعالم الاقتصاد والأنساق الثقافية في التركيبة السياسية التي شاخت مع عملية تغير حتى لرجالات السلطة وهذا أمر مهم جدا لأنه لكي يقتنع المجتمع بجدوى الإصلاح يجب استبعاد الناس المسئولين عن آثار التردي والفساد وهو ظاهرة مستشرية في العالم العربي ومحاسبتهم قانونيا ، وحلول أناس وخبرات جديدة حديثة ويتولون عملية رسم آفاق جديدة لإصلاح ما فسد أو ما أفسده غيرهم وهكذا تستمر الحياة ويتابع البلد والمجتمع مسيرته نحو الأفضل .
ضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي
عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي هي عملية ضرورية جداً وذلك ليس مجرد رغبة بل هي ضرورة لان أنماط والأشكال السياسية الحالية السائدة في العالم العربي لم تعد تناسب المرحلة المعاصرة وهي بالتالي قد انتفت الحاجة لها ولان السبب الذي كان يضمن للنخب الحاكمة الاستمرار في الحكم وفي السلطة بهذا الشكل مثل أن تحتكر السلطة الحكم لثلاثة عقود أو عقدين لم يعد مقبول في مرحلة العولمة وبعد انهيار المنظومة الاشتراكية والحكومات الشمولية وانتهاء الحرب الباردة ولان العالم بشكل اجمع يمر بمرحلة انتقالية جديدة من الحياة إذا أن التغيير السياسي والاقتصادي هو كالسيل الجارف سيجرف معه كل إشكال السلطات والتشكيلات التي لا تلائم نفسها مع معلم الحياة الجديدة. تتفاقم الأزمة في مصر سياسيا واقتصاديا وأمنيا، والبحث جار عن بدائل، الأمر ذاته لا يختلف كثيرا عما يجري في مصر.
ارتفاع أسهم الجيش
. وتشهد أسهم الجيش ارتفاعا ملحوظا في الشارعِ المصري في ظل المواجهات العنيفة بين قوات الأمن والمحتجين في محافظات البلاد، والانسحاب الجزئي للشرطة وترك الساحة أمام الجيش، أو في أسوأ الأحوال أمام مليشيات “الإخوان المسلمين” والسلفيين والجماعات الجهادية، وخاصة بعد إصدار النائب العام لـ “فتوى” الضبطية القضائية وما فهمه البعض منها بأنه حق لفئة من المواطنين باعتقال فئة أخرى، ما دعا نسبة ضخمة من المصريين للمناداة بعودة الجيش في مواجهة ما يمكن أن يكون بداية حرب أهلية. في الحقيقة، لقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بوزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي أظهر أن واشنطن لا تزال تنظر إلى الجيش المصري كقوة سياسية بديلة في حال تعقد الأمور. وفي حال تفاقم الأوضاع وحدوث انعطافة مفاجئة في المشهدين الأمني والسياسي، فقد يحدث إما نزول مليشيات “الإخوان المسلمين” إلى الشارع في صفقة مع الجيش، أو وقوع انقلاب عسكري جزئي يضمن وضعا خاصا “للإخوان المسلمين”. ويرى كثيرون أن هذا السيناريو لا يمكن أن يمر من دون رعاية أمريكية. ما يتطلب فعليا موافقة القوى السلفية والتنظيمات المتطرفة غير المسلحة بعد، والتي ظهرت بقوة مؤخرا. هذا السيناريو تحديدا يتطلب إشراك دول لها علاقات تاريخية بالسلفيين.
دور قطر في اللعبة السياسية
ومن الواضح أن دور قطر بدأ يتراجع مع مأزق “الإخوان” في مصر، ودخول الأزمة السورية في نفق مظلم. وبالتالي، من المتوقع أن يتنامى دور دول عربية بعينها مع ظهور السلفيين وتهديداتهم للمعارضة والجيش معا في مصر. يبدو أن نتائج جولة كيري في المنطقة لم تظهر كليا بعد! غير أن التصريحات التي صدرت منه في قطر بخصوص سورية وضرورة التعامل مع مقررات جنيف، تشير إلى أن واشنطن بدأت تنقل ملفات ما يسمى بـ “الربيع العربي” من اليد القطرية إلى أيد أخرى، وربما هذا تحديدا ما استفز الأمير القطري ودفعه للتصريح بأن “قطر لم تكن الدولة الوحيدة التي زودت المسلحين في ليبيا وسورية بالسلاح”! إضافة إلى تصريحات وزير مالية قطر يوسف كمال التي أشار فيها إلى أن بلاده لا تتوقع تقديم المزيد من المساعدات المالية لمصر. والأكثر أهمية وخطورة، هو تأجيل تشكيل حكومة سورية مؤقتة تشرف على ما يسمى بـ “المناطق المحررة”. هذا التأجيل إلى أجل غير مسمى جاء بعد فشل انعقاد ثلاثة لقاءات متتالية للائتلاف السوري المعارض.
وهذا ما يؤكد أن قطر تخرج تدريجيا من اللعبة، ليبدأ لاعبون كبار في إعادة توزيع الأدوار مجددا. أي أننا ننتظر، ببساطة، حزمةَ تطورات تكاد تكون مترابطة في الملفين السوري والمصري بمشاركة لاعبين كبار وآخرين إقليميين جدد وتقليص دور بعض اللاعبين الإقليميين القدامى. من المصادفات أن تحول مِصر من سياسة مبنية على التعاون مع المعسكر الشرقي اليساري إلى توجه يسنده التعاون مع المعسكر الغربي اليميني، حدث ذلك التحول عندما تسارعت حركة انهيار المعسكر اليساري إلى أن أطاحت بالإتحاد السوفيتي. طبعا لم يكن ذلك الانهيار ناتج بفعل مصر و إنما هو كان ناتج لسياسة الاحتواء التي رسمتها و نفذتها الولايات المتحدة لتفقد الروس القدرة على المنافسة الحادة من اجل السيطرة على موارد الكرة الأرضية و على خطوط تجارتها و أسواقها.
عباءة الإخوان والتيارات الإسلامية
و الآن يبدو إن مصر ستخفف من إذعانها للإرادة اليمينية ميولا إلى سياسة وسطية “إسلامية” . أما على المستوى الإسلامي فكانت جماعة الإخوان المسلمين هي اللاعب الأكثر تأثيرا والأوضح دورا والأذكى تحركا فمن عباءة الإخوان خرج الجميع من سلفيين وجماعات إسلامية وغيرهم ومثلوا في النهاية ما يمكن أن نسميه لعبة تبادل أدوار دقيقة للغاية مموهة بعناية ويجيد الإخوان استخدامها على مدار تاريخهم وفي تحالفات الإخوان انعكاسا لشكل الدور السياسي المنوط بهم فهم قادرين على إشاعة الفوضى في لحظة عبر كتائب السلفيين والجماعات الإسلامية كما أنهم قادرين على ممارسة نوعا من الضبط عبر (العقلاء) الذين يخرجون وقت الأزمات ليعرضوا على المجتمع قدراتهم على الحل متصدرين المشهد والحدث ووفقا لهذا كان هناك ما يمكن أن نطلق عليه (اتفاق جنتل مان) بين كل من لديه مصالح في تفتيت مصر فالإخوان المرتبطين عضويا بالتمويل السعودي الوهابي لا تشغلهم فكرة الدولة وحدودها بقدر ما تشغلهم مصالحهم وقناعاتهم ومرجعيتهم والسعودية التي ترعي الاتجاهات الإسلامية بوعي شديد يدرك أن الأمور كلها في النهاية لا تخرج عن فصيل واحد يرتدي أقنعة كثيرة تدرك أن شكلا من أشكال القوة والديمقراطية في مصر سيعصف أول ما يعصف بالنظام الثيوقراطي الذي تمثله في تلك المنطقة من العالم (ولعل ذلك يفسر لماذا كل هذا الجهد السعودي لحماية مبارك ولماذا اختار الرجل أن يتحدث بعد تنحيه عبر القناة السعودية العربية على طريقة الظواهري وبن لادن وعبر التسجيلات الصوتية)
العرفان بالجميل لدولة إسرائيل
وإذا كانت السعودية تجد نفسها مضطرة لفعل أي شئ في سبيل تأمين عرشها فإن هناك لاعب آخر يرتبط بما يحدث في مصر عضويا وهو إسرائيل التي قررت من البداية ومن أول نشأتها أن تنظر لمصر على أنها موزاييك عرقي وطائفي (وإذا لم يكن المصريون في وقت قوتهم يدركون أنهم مختلفون عرقيا ومذهبيا فيمكن في وقت الضعف أن يدركوا ذلك) وبشئ من تجاذب الأضداد كان هناك دائما تجاذبا وانسجاما بين الدور السعودي والدور الإسرائيلي في مواجهة أي مد جديد في مصر فالسعودية التي مولت العديد من عمليات المخابرات الأمريكية ضد مصر كانت على علاقة وئام مع إسرائيل منذ البداية (يمكنك أن تبحث قليلا لأن الكثير من الحقائق حول هذا الموضع أصبح متاحا للجميع) كما أن السعودية تشعر بكثير من العرفان بالجميل لدولة إسرائيل التي تدخلت كثيرا فيما سبق للكشف عن محاولات اغتيال تخص العائلة المالكة السعودية وهناك بالفعل علاقة بين جهازي المخابرات في البلدين بدأ عبر وسيط أمريكي ثم تحول مع الوقت إلى تعامل مباشر السعودية كانت بالنسبة لإسرائيل كنزا لا يمكن تركه فعن طريقها يمكن تمرير الكثير إلى داخل مصر العناصر الإسلامية في مصر تابعة مباشر للسعودية وشيوخها وأجهزة أمنها ومن هنا يمكن من خلال رغبة مشتركة أن تمارس الدولتان دورا على الأرض المصرية الطرف الآخر هو الولايات المتحدة الأمريكية القلقة للغاية على إمدادات النفط دوما وعلى أمن إسرائيل منذ النشأة وهي تجد مهما حاولت أن تقنعنا بغير ذلك أن أي مد ثوري في مصر هو تهديد للاثنين : إمدادات النفط وأمن إسرائيل لماذا ؟ لأن أي نظام وطني في مصر سينظر إلى مصالحه فقط وهي مصالح بحكم الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد كثيرا ما تكون متعارضة مع كل هذا هنا كان لابد من أن تكون خطط التحرك واضحة وبقدر ما تكون بسيطة للغاية بقدر ما تكون قادرة النجاح فإشاعة الفوضى إلى أقصى حد داخل مصر هو تكريس لحالة غياب الدولة المركزية وظهور التيار الديني كعنصر حاسم في كثير من الأزمات قد يمثل للبعض شكلا من أشكال التعويض عن وجود الدولة بأجهزتها أما متى يكون كل ذلك مطلوبا فهو يكون مطلوبا عندما يشكوا المواطنين من الترويع وهو ما يمكن أن تقوم به الجماعات الإسلامية والسلفيين دون رادع من سلطة الدولة بينما يصبح على فصيل ديني آخر (أو هكذا يبدو) أن يلجم شططهم ويقي المواطنين شرهم وهو ما يحدث بوتيرة متصاعدة كل يوم حتى الآن
تحدي الدولة
تحدي سافر لسلطة الدولة ثم تدخل من تيار ديني للمصالحة ثم انتهاء للمشكلة مع تأكد غياب الدولة وتآكل مؤسسات القانون الوضعي لصالح القانون العرفي الذي يتنازل في مرحلة تالية عن دوره لصالح الفكرة الأخرى وهي (الحاكمية لله والحدود) العنف سيتزايد إلى أن ينسى الناس كل تحفظاتهم يطلبون الأمان ولكن فصيلا من الناس وهم المسيحيون لن يقبلوا كثيرا بفكرة الخضوع للشريعة وسينضم لهم في ذلك كثيرون وعبر حالة من دوامة العنف والعنف المضاد سيجري تنفيذ الخريطة الموضوعة أمامنا بحذافيرها دون تأخير وخلال مدى زمني قصير للغاية ومثير للدهشة و هذا يحدث في الوقت الذي تبدو الولايات المتحدة إنها بدأت تخسر شيء من تفوقها الاقتصادي و السياسي و لم يبقى لها غير منقوص سوى التفوق العسكري (الذي لابد و إن يدر عليها بفوائد كبيرة إلى حين . و الذي قد يمنحها الفرصة لتستعيد أنفاسها في مجالي الاقتصاد و السياسة.) هذه هي ظواهر الأمور و هي قريبة من الحقيقة ما دمنا نعتبر إن فعل مصر هو النتيجة و ليس السبب الأول. و كثيرا ما تدعم النتائج الأسباب الدافعة في عملية سببية دائرية تراكمية (عامل الرجع الدافع أو التغذية الموجبة يتحقق أكثر من عكسه، الرجع الرادع أو التغذية السالبة. الأول هو آلية الحركة و التغيير و الأخير هو آلية السكون و الركود).ه الأفعال الظاهرة تدل على أسباب قد لا تكون كلها ظاهرة و هي الرغبات والخوف –الحوافز بشكل عام و أيضا هي قوى دفع كامنة في توزيع مصادر القوة و في خارطة القنوات التي توجه سير للأمور.
الكاتب :
الدكتور عادل عامر
أستاذ مساعد القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
و عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية والسياسية