هل يُراعى حياءُ الناسِ ؟ اللهم إن استثنينا أصحابَ الخُلق الرفيع! فذاك يمتدِح قلماً جميلاً ، فيغمُرك الحياء وتستبيحك (الفشله) فتُهديه ، وذاك يرى في يدك “مسبحاً” من حجر الكهرب فيظل شاخصاً مراقباً لتألقه ويناديك بالخطاب المعروف “خوش مسباح بجم ماخذه ، وايد دش بخاطري! ” فتدفع شرّه بإهدائه له ، وتُنسَفُ كل القيم وقواعد الخُلق بقبوله لهذا الإهداء “الطاريء” الفاقد للقصد والنيّة ! اختراق سافر لـ “سيف الحياء” في حياتنا ، ذلك السيف القاطع الذي قيل فيه على لسان النبي الأكرم صلّ الله عليه وآله “ما أُخِذ بسيفِ الحياءِ فهو حرام” . فهو طلبٌ مبطّن ، وإهداء أُرغِمنا عليه ، وبهذا المدخل ، أردت مدخلاً لسيفٍ جديدٍ معاصر ، استحَلّ بيوتنا ، وسلبَ عقولنا ، رجالاً ونساء ، أطفالاً وكباراً ، سيف “الميديا الناطقة” ، والدعاية المتحركة ، شخصيات لم تتمرّس في أصول الإعلام وقواعده ، ولا فنون التواصل وإجادته ، لكنهم ، ولأسباب عديدة ، حصدوا إراداتنا البسيطة ، واختياراتنا وأذواقنا ، وسباتنا في ثقافاتنا ، فاخترناهم وتابعناهم ، حتى أصبح لهم ما يريدون ، فكان لهم الأتباع بالآلاف ويزيدون على ذلك! ، في معظم برامج التواصل الإجتماعي ، وكان لكل منهم كارزميته(ا) في جَذْبِ مريديه(ا) ، بين الهزل والإفراط والتفريط ، ومخاطبة الأذواق ، وعرض الفنون وما إلى ذلك ، إنهم “الفاشينيستات” و “البلوغرز” وغيرهم ممن لا أعرف ألقابهم واصطلاحاتهم ، غير آبه بها ولا مهتم ، لكنني ، سأكون واضحا في بيانِ ما جنيناهُ من متابعة بعضهم!
في بحث بسيط لمعنى “الفاشينيستا” تفهّمت أمرا في غاية الأهمية ، وهو أنهم وفي حقيقة تأسيس هذه المهنة ، برعوا في أن يكيّفوا اللباس البسيط والرخيص في السعر ، بشكل جميل وجاذِب ، حتى يتسنى لذوي الدخول المحدودة ، أن يظهروا بمظهر لائق وجميل ، على الرغم من بساطة الملبس ، إسماً وجودةً وقيمة! وهي فكرة مقبولة من حيث المبدأ ، تأسست تحديدا في عام ٢٠٠٧ على يد (كيارا فيراجني) ، وبتتبعي لهذه المهنة ، أجد المفارقة العجيبة ، وهذا ما لاحظه حتى المتابع والمحب لهم ، مفارقة أوضحت لنا تطورا غريبا في مفهوم هذه المهنة ، فصرنا نلحظ تنافسا لأزهى الأزياء ، وأغلاها ثمناً ، وعرضا لأبهى المجوهرات وأرقاها في عالم التسوّق! (شنو السالفة) ؟ وصرنا نجني حصاد هذا التغيّر في رواتبنا ، وننشغل في جُلّ تواصلنامع أبنائنا عن آخر صرعاتهم ، في ميادين الملبس والمأكل ، حتى بطوننا لم تسلم من اختياراتهم ، فسُلبنا حق الإختيار بما نُطعم به أنفُسنا ، بذريعة فهمهم وحسِّهم المرهف ، وصار صاحب المطعم يدفع مبلغاً ، ويضع أمام من يختارها من الفاشنستات أشهى أطباقِ المأكولات لديه ، لدقائق معدودة ، فتنهال كلمات المدح والثناء للمطعم وصاحبه ، فيزداد بشكل طردي حضور المعجبين والمعجبات ، (وحياة سعيدة) ، وهذا الأمر يجري كذلك على المعروضات من جميع الأصناف ، في الموضة والمجوهرات والإكسسوارات و و و !
في السابق ، لم تكن للميديا هذه السطوة ، لا على اختيارنا ، ولا أذواقنا ، ولا مصادر دخلنا ، فإمّا إعلان في جريدة ، أو في محطة تلفزيونية ، ننتظر متى ينتهي هذا الإعلان حتى نستمر في مشاهدة الحلقة التي ننتظرها ، أما اليوم ، فالأمر مختلف ، لأن التي تشاهد الفاشينيستا ، ترى جمال لباسها وحقيبتها ، في صور متحركة حيّة ، تحرّك فيها غريزة التملّك والإستئثار ، فتبدأ بحصر ما تريد ، وتبدأ (بالحنه والرنه على الأب والأم والزوج) ، فندخل في صراع مع سيف حادٍّ قاطع جديد ، هو سيف الفاشنستات ، سيف أثقل على عواتقنا كل سهل جميل ، فصرنا نشتري بأذواقهم ما لا نطيق ، بل وما لا نمتلك سعره إلا بأشهر من الرواتب ، حتى يستطيع أبنائنا مجاراة الحداثة والتطور في هذا العالم !
ما يجري في عالم الفاشينيستا والبلوغرز امتصاص وارهاق لدخول البسطاء من الناس ممن تتأثر أنظارهم وأحاسيسهم لما يرون ، يكاد يفوق في خطورته ، الديون المركبّة من جرّاء القروض!
نتيجة حتمية : لا أحجر على الفاشنستات والبلوغرز كسبهم المادي ، ولكنني أقدّم رسالة (ابلاش) لكل من ارهقته الموديلات المتتالية والتي تنهال على أبنائه دون توقف وبلا فاصلة! بـــ(الأنفولو) وشكراً!
شاهد أيضاً
وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنّنا نعْلَمُ أَنَّكَ تَكْذِبُ
عند السماع لتصريح وزير خارجية امريكا الذي قال بكل فضاضة ان الخارجية الأمريكية لم نر …