«على بُعد 2500 متر، كُنا نواجه أكثر الأمور وجعًا، وكأننا في جهنم، نرى أضواء مدينة سان فرانسيسكو، نسمع ضحكات الناس وصخَب الموسيقى، نرى الفرح بعيدًا، ولكن لا نستطيع مشاركتهم المتعة، حولنا في كل مكان الجُدران الداكنة والحراسة المُشددة»، هكذا كان يُسجل السجناء شهادتهم عن السجن الأشهر في التاريخ «ألكتراز» عقب الخروج منه وتنفس الهواء مرة أخرى.
في الثقافة الشعبية الأمريكية، يحتفظ سجن «ألكتراز» بمكانة لم يشغلها سواه، فهو السجن الأسطوري الذى لم يتمكّن أحد من الهرب منهُ حيًا، واحتفظ داخل أسواره بكل معاني القسوة والحرمان والتطلع نحو الحرية.
أعلى جزيرة مهجورة تمامًا، أمام مدينة سان فراسيسكو، عزلتها نسبة ملوحة المياه عن الاختلاط بالحياة البشرية، تجمدت الحياة في جزيرة «ألكتراز» إلى أن تحولت تلك الجزيرة بعد فترة إلى منطقة حربية، تبعت حكومة دولة المكسيك في البداية، حتى أراد حاكم ولاية كاليفورنيا أن يُشيد منارة لإرشاد السفن، ووجد أن تلك الجزيرة تعتبر موقعاً مثالياً لإقامة منارته المُطلة على ساحل الباسيفيك، فقام بعقد صفقة مع الجانب المكسيكي تم بمقتضاها انتقال ملكية الجزيرة إلى الولايات المتحدة.
وفيما بعد، جذب موقع الجزيرة الأنظار إليه، وكان ذلك سببًا في توقف عمل منارة الباسيفيك، إذ تولى الجيش الأمريكي بعد ذلك إدارة الجزيرة، واستغلها في إقامة ثكنات لمبيت الجنود، ثم تحول بعد ذلك إلى سجن «ألكتراز»، نسبةً إلى اسم الجزيرة، في الفترة ما بين عامي 1859 و1933، بسبب الكساد الكبير الذى حدث آنذاك في الولايات المتحدة الأمريكية، وتسبّب في زيادة أعداد الجرائم والحوادث.
وبعد إغلاق السجن الحربي في الجزيرة، انتقلت إدارة السجن من وزارة الدفاع الأمريكية إلى وزارة العدل، والتى قامت بدورها بالإعلان عن تحوّل الجزيرة بأكملها إلى أحد السجون المشددة الحراسة، والتابعة بالضرورة للسلطات الفيدرالية، وحينها أطلق على السجن رسميًا اسم «ألكتراز».
لم يكُن سجن «ألكتراز» سجنًا عاديًا مثل باقي السجون، بل كان مكانًا لجمع حثالة المجرمين وأكثرهم شراسة وأشدّهم خطورة، ليس في الحياة المدنية فقط بل من قاموا بأعمال الشغب داخل السجون الأخرى، أو حاولوا التمرد على لوائحها وقوانينها، إذ كان من المعروف أن انتقال السجين إلى سجن «ألكتراز»، يعني أنه بذلك قد نال أقسى وأشد أنواع العقاب.
وصلت مدة العقاب داخل السجن إلى 10 سنوات، ومن بعدها كان يُرحل السجين إلى سجون أخرى، فاقدًا الأمل في أي محاولات أخرى للتحرر أو التعدي على القوانين أو حتى الهرب خارج أسوار السجن، فمنذ تحول السجن من حربي إلى مدني، حاول 36 شخصًا الهرب، وكانت الحصيلة القبض على 22 منهم، 7 منهم غرقوا في مياه البحر وقُتل منهم 7 أيضًا.
ومن أشهر محاولات الهروب التى حدثت داخل سجن «ألكتراز»، محاولة الأخوين أنجلين التى شغلت الشرطة ومكتب التحقيقات الفيدرالي لسنوات، حيث قاما باستخدام طلاء تلوين التجويفات بلون مُطابق للون الجدار لإخفاء آثار الحفر، كما قام شخص آخر من خارج السجن بمساعدتهم حتى نالا حريتهما.
ويُقال إن عملية التخطيط للهروب استغرقت بضعة أشهر، عقب أن صنعا أقنعة من الورق المُعجن لخداع الحراس وإيهامهم بنوم الهاربين في أماكنهم، ثم تسلقا الجدار من خلال فتحات التهوية واقتحما سطح السجن، حتى اقتنع رجال الأمن بأنهما غرقا في المياه الخطيرة التي تحيط بجزيرة سان فرانسيسكو التاريخية، أو جزيرة السجن إن صح التعبير، بعد خروجهما من زنزانتهما في منتصف الليل.
ألهمت قصة الأخوين أنجلين صناع السينما بصناع فيلم باسم «الفرار من ألكتراز»، الذى قام ببطولته «كلينت إيستود» عام 1979، معبرًا عن محاولة الهروب الوحيدة الناجحة من السجن، من خلال أشخاص تسلّلوا من خلال فتحات التهوية في السجن إلى أن وصلوا إلى البحر، ومن ثم اختفوا إلى الأبد.
وفي عام 1962، تم إنتاج فيلم آخر عن السجن بعنوان «رجل طيور ألكتراز»، حيث جسد شخصية أحد السجناء الذى قتل أحد حراس السجن، وحُكم عليه بالإعدام، ثم تم تخفيف الحكم إلى سجن مدى الحياة، وبعدها تحولت حياة الرجل بالصدفة إلى حب الطيور عندما وجد أحد الطيور يُعاني من إصابة ما.
وفي مُنتصف التسعينيات، تم إنتاج فيلم «جريمة في ألكتراز»، عن سارق تحول إلى قاتل بسبب الحبس الانفرادي في السجن، وقام ببطولة هذا الفيلم «كيفين باكون» الذي جسد شخصية السجين «هنري يونج» الذي سرق خمسة دولارات من مكتب بريد ليحكم عليه بالسجن، وخلال فترة سجنه حاول الهرب ولكنه فشل، وبناء عليه تم وضعه في الحبس الانفرادي لمدة ثلاثة أعوام وشهرين، وخلالها كان جالسا في غرفة بلا ضوء أو مدفأة أو مرحاض، وبعد أن خرج من الحبس الانفرادي وترك بين زملائه استخدم ملعقة وقتل بها أحد السجناء، وبعد ذلك حكم على يونج بالإعدام.
وفي فيلم «الصخرة» أيضًا، دارت أحداث الفيلم داخل سجن «ألكتراز»، حول أحد الذين استطاعوا الهروب من السجن من قبل وتمت الاستعانة به من أجل مساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالية في التسلل إلى الجزيرة بعد أن قام مجموعة من جنود المارينز المتمردين باحتلالها وأخذ كل السائحين عليها كرهائن.
وعقب التاريخ الطويل للسجن، تم إغلاقه عام 1963 وأصبح مزارًا سياحيًا شهيرًا وتحفة فنية يؤمها أغلب زوار مدينة سان فرانسيسكو الباحثين عن الإثارة والغموض واستكشاف حياة السجن وعذاباته.