انطلاقاً من قول كريستوفر لاش الناقد والمؤرخ الذي عاش فيما بين 1932-1994 بأننا نعيش في عصر ” نرجسي” حيث تقديم الذات مسألة هامة، فإن الجسد يتحول إلى ” سلعة فيتشية” ويعرض للبيع.
إن وضعنا في الحسبان هذا الإصرار على تقديم الذات وإظهار الشكل الخارجي بوصفه مسألة مركزية في مجتمعاتنا المعاصرة، وقضية هامة للطريقة التي تتشكل فيها هوياتنا، فلن نجد سوى القليل جداً مما كتب بهذا الشأن في ميدان علوم الاجتماع.
فقد نزعت السوسيولوجيا (علوم الاجتماع) عموماً إلى إغفال الأزياء، ونظرت إليها على أنها خارج ميدان العلوم الاجتماعية، وضمن الفنون. فحتى عندما درس علماء الاجتماع الأزياء والموضة، اختزلوها إلى نظريات مبسطة.
والأمر كذلك، فإن اكتساب المرء شكلاً ومظهراً جديدين سواء من خلال اللباس أو من خلال تغييرات ( عمليات التجميل، وصبغة الشعر الخ)، بقيت خارج ميدان الدراسات الاجتماعية نسبياً. وإذا سلمنا بأن للمجتمعات تقاليدها الراسخة في التعاطي مع شأن هذه الموضوعات، فلابد أن نسلم أيضاً أن الاحتكاك بين البشر والمجتمعات غيّر بعضاً من هذه التقاليد أحياناً، وقلبها تماماً في أحايين أخرى. وإن نظرنا إلى المظهر والشكل البشريين بوصفهما معطى ثقافياً، شأنهما شأن الموسيقا والفكر والأدب والفن بوجه عام.
في بدايات القرن الماضي على سبيل المثال، فرض أتاتورك نمط اللباس الغربي على الأتراك، في الوقت الذي أصرّت بعض فئات الشعوب في الشرق الأوسط في النصف الأول من القرن الماضي على التمسك بأزيائها التقليدية انطلاقاً من شعورها بهويتها القومية أو الوطنية، بينما انصرفت فئات أخرى إلى مسايرة الغرب الحديث في التشبه به طوعاً من دون أن يمارس عليها أي عسف أو جور.
وإذا كان البشر ينزعون إلى السلطة والقوة فإن المظهر الخارجي هو أحد تجليات ذلك. فهو يجسد مزيجاً من عدة أشياء في الوقت ذاته. لقد وُلد تغيير المظهر من حقائق صغيرة وميول وحتى سياسات، وتحول إلى حقائق كبيرة، و إلى مرآة يرى البشر أنفسهم من خلالها. والمظهر ليس مجرد ألوان أو زركشات. إنه الحياة بكل تجلياتها وشتى تناقضاتها.
وهو فن مركّب من يتصدى له يدرك سلفاً بأنه يخلق إنساناً جديداً لقد أكدت النقاشات النقدية في الغرب أن طريقة تصفيف الشعر ولونه قادران على الإشارة إلى المرتبة الاجتماعية، وبنيات الطبقة والسلطة. ويمكن من خلال هذين العاملين الإشارة أيضا إلى تمايزات تتعلق بالجندر والعرق. وبما أن طريقة تصفيف الشعر ولونه يمثلان شكلاً طبيعياً وثقافياً، فشعور النساء تنقل معانيَ حتى عندما لا تكون مصففة.
استعارات سياسية
فبوصف الشعر علامة، لا بد وأنه يشتمل على استعارات سياسية واجتماعية وسايكولوجية مُحمَّلة بمعان ثقافية نجمت عنها العديد من الاستجابات المتفاوتة في الآداب المعاصرة.
في كتابها ” من البهيمة إلى الشقراء” تقارب مارينا وورنر الشعر بوصفه وسيلة أنثروبولوجية وتقول: ” يؤسس تصفيف الشعر بحد ذاته إشارة للإنسان.
فالشعر يمكن أن يساعد في البحث عن الهوية الشخصية وعلاقتها الأوسع بالمجتمع.
منذ ثلاثينيات القرن المنصرم، قوربت الشُقرة كميزة إيجابية وسالبة في آن. فكليشيهات مثل “الشقراوات أكثر إمتاعاً” والتي تَعد البشر بالسعادة اشتغلت إلى جانب قوالب نمطية أخرى أكثر سلبية شأن ” الشقراء الغبية، أو “السخيفة مشتتة الذهن”.
ولكن من أين جاءت هذه الأساطير التي حيكت عن الشقراء؟ وكيف نفسر مثل هذه المفارقة ؟ إذا كان الأمر لإلقاء الضوء على التكلّف والتصنّع بغية إظهار الفروق، فسيكون لزاما علينا أن نعرف الرسائل التي تريد النساء نقلها عندما يَستشقرن. كما يمكن لنا أن نبحث في الكثير من الظروف التاريخية والسوسيوثقافية التي سمحت لهذه الأساطير أن تظهر.
رغم ذلك، تبقى الدراسات العلمية والتساؤلات الأكاديمية التي تناولت طبيعة الشقراء بوصفها علامة في الثقافة البصرية، محدودة. يبدو أن البحث في الشعر الأشقر يتسيد ميدان الدراسات بمقاربات تؤدي حتما إلى قضايا العرق.
فالمبدأ الآري الذي تبناه الحزب النازي الألماني سعى إلى تأسيس نقاء عرقي بين الألمان، وهذا النموذج الأعلى الذي تأسس على ذلك المبدأ، تميز في جانب منه بالأفضلية التي منحها هتلر لصاحب الشعر الأشقر والعينين الزرقاوين هاتين السمتين اللتين رأى فيهما هتلر نموذجاً مثالياً “للعرق المتفوق” لسلالات شمالي أوروبا.
بحوث “الشقرة”
تركزت بحوث الشقرة الأكاديمية على قوة أساطيرها، وشيوعها بوصفها ظاهرة رمزية متبدلة في الثقافة البصرية، وأُمليت قيمتها تبعاً للثقافة السائدة آنذاك. وبوصفهنَّ عوامل فاعلة في إنتاج معنى دلالة الشقراء في أيامنا هذه، تَوجب على النساء اللواتي اشتركن بهذه الأساطير، الانغماس عن دراية في الشيفرات الثقافية التي تتصل بالشُقرة.
وفي حين تظهر معظم المراجع والإحالات لدلالة الشقراء في الدراسات السينمائية، فإن تلك المراجع والإحالات تفشل في الوصول إلى فهم جماهيرية الشعر الأشقر بوصفه ظاهرة تملأها المفارقات في الغرب المعاصر.
رغم ذلك، يمكننا القول بأن الشُقرة استمرت بوصفها رمزاً وعلامة وشيفرة تمثل منظومة قيم، ورابطة للجندر، والسلطة وتمايزات العرق ضمن سياسات الجسد.
وبعيداً عن وجودها واقعاً “طبيعياً”، يمكن اعتبار الشقرة في الثقافة الغربية جزءاً من الخطاب الثقافي. فإمكانية “تصفيف”الشعر توحي بأنه يمكن أن يُرتدى. بهذه الطريقة، يمكن أن نُضمّنه في نموذج واعتباره، حرفة ثقافية بالإضافة إلى كونه قطعة من الجسد، حتى عندما لايكون مصففاً.
ورغم أن الشعر الأشقر يمكن ارتداؤه من كلا الجنسين، فَيُعرف معناه تبعا لجندره.
وهنا تنشأ المعايير المزدوجة التي تتصل بدلالة الشُقرة سواء فيما يتصل بالنساء أو الرجال. لكن تبقى الميزة الرئيسة لخطاب الشُقرة، أنوثته. لذلك يتعين علينا أن ندرك أن كلمة شقراء تتصل بالأنثى إلا إن جاءت في صيغة المذكر.
وهنا يجدر بالمرء أن يستقصي الدلالة المستمرة لعلامة الشقراء في سياقها المعاصر، ويوضح كيف انتشرت تلك العلامة في الثقافة البصرية بغية ” صَوغ شكلٍ مجُندر من التميز”والذي يؤسس لفرق في الطريقة التي يتم إدراك النساء الشقراوات مقيماً صلة بينهن مع بعض السلوكات التي تعتبر متأصلة بالشقرة.