حذر عدد من الأكاديميين الكويتيين المتخصصين بالعلاقات الأسرية من تنامي مشكلة العنف الذي تتعرض له بعض الزوجات الكويتيات وتحولها الى ظاهرة مشيرين الى دراسة تبين ان نحو 40 في المئة من الزوجات (عينة الدراسة) تعرضن للعنف.
وقال هؤلاء في تصريحات متفرقة اليوم الثلاثاء ان العنف الجسدي ضد المرأة لا يمكن غض الطرف عنه لما له من أضرار صحية ونفسية وعقلية وجسدية فضلا عن كونه مخالفا للقوانين الدولية والمبادىء الانسانية.
وشددوا على ضرورة معاقبة الزوج الذي يلجأ الى العنف لحل الخلافات الزوجية منبهين الى ان هذا النوع من العنف قد يكون منتشرا في المجتمع الكويتي
.
في البداية اعتبرت أستاذة الخدمة الاجتماعية بجامعة الكويت الدكتورة هيفاء الكندري ان “الزوج العنيف” مريض نفسي ويحتاج إلى علاج تأهيلي وسلوكي فوري لضمان استقرار الأسرة وحماية حق الزوجة.
وأضافت الكندري أن القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية تدين الضرب بجميع أشكاله لكونه اعتداء على المرأة ولها حق الإبلاغ عن الزوج المتعدي لمعاقبته مهما كانت دوافعه وأسبابه.
واوضحت انها اجرت دراسة خاصة بهذا النوع من العنف على عينة من 1071 زوجة كويتية أعمارهن ما بين 18 و68 عاما اظهرت أن 2ر40 في المئة منهن تعرضن لعنف جسدي بأنواعه المختلفة سواء أكان نادرا (19 في المئة) أو قليلا (13 في المئة) أو كثيرا (5ر8 في المئة).
وذكرت أن نتائج الدراسة تبين أن الزوجات المعنفات مقارنة بغيرهن يعتقدن أن هناك انتشارا كبيرا للعنف الجسدي ضد الزوجة في المجتمع الكويتي في حين يرى الاختصاصيون الاجتماعيون والمهنيون (النفسيون والأطباء والمحامون ورجال الشرطة) أن العنف ضد الزوجة منتشر “إلى حد ما”.
وافادت بأن هذا التفاوت يؤكد ضرورة القيام بدراسة مسحية ديموغرافية تشمل عددا كبيرا من الزوجات لتحديد نسبة انتشار العنف الجسدي بالمجتمع الكويتي لاسيما وأن عدم لجوء البعض إلى طلب المساعدة الرسمية من مراكز الشرطة أو المحاكم أو المستشفيات أو طلب الاستشارات من المختصين يحول دون تحديد نسبة دقيقة لهذه المشكلة.
وألمحت الى أن نتائج الدراسة بينت أن أكثر الزوجات تعرضا للعنف الجسدي هن من الفئة العمرية (30 – 39 عاما) بنسبة 1ر38 في المئة ثم فئة ال29 عاما أو أقل بنسبة 4ر33 في المئة ثم فئة ال40 عاما فأكثر بنسبة 5ر28 في المئة.
وأشارت إلى أنه يمكن تفسير هذه النتيجة بأن الزوجات المتقدمات بالسن وفق الدراسات السابقة قد يتعرضن للسيطرة والتحكم من الزوج أو الإهمال أو التهديد وإلقاء اللوم عليهن أو التحقير أو التخويف والترهيب.
ورأت أن الزوجات ذوات المستوى التعليمي العالي (البكالوريوس والدراسات العليا) قد يتعرضن إلى العنف أكثر من غيرهن وذلك بنسبة 2ر81 في المئة مقابل 8ر18 في المئة.
وقالت انه قد تتعرض الزوجات الموظفات للعنف الجسدي بنسبة 4ر78 في المئة أكثر من غيرهن في حين قد تتعرض ذوات الدخل المرتفع (1000 دينار وما فوق) إلى العنف الجسدي من الأزواج بنسبة 1ر41 بالمئة أي أكثر من الزوجات ذات الدخل المتوسط بنسبة 8ر37 في المئة أو المنخفض بنسبة 1ر21 في المئة (999 دينارا أو أقل).
وذكرت الكندري ان دراستها تناولت أهم المعوقات الذاتية التي تمنع الزوجة المعنفة من طلب المساعدة مشيرة الى ان هذه المعوقات تتمثل في شعورها بالعزلة والضعف والعجز وفقدان الأمل في وقف ضرب الزوج لها إضافة إلى خجلها من التحدث مع الآخرين بشأن هذا الموضوع ورغبتها في الحفاظ على السرية والخصوصية.
وأضافت أن البعض منهن لا يرغبن في أن يكن مطلقات إما بسبب الأطفال أو لحاجتهن إلى السكن إضافة إلى شعورهن بالإحباط لعدم تدخل الآخرين رغم معرفتهم بضرب الأزواج لهن إضافة إلى جهلن بمعنى العنف وطرق إيقافه وتجاهلهن الأمر.
وأكدت حق الزوجة في طلب الطلاق إذا تعرضت للعنف الجسدي بأي نوع وأي درجة ناصحة الزوجات عند التعرض لذلك بإبلاغ الزوج منذ اللحظة الأولى برفض هذا السلوك وعدم الاستمرار في الحياة الزوجية في حال تكراره ووقف الإنجاب بوسائل منع الحمل الطبية لحين التأكد من سلامة الزوج العقلية.
وأعربت عن أسفها الشديد لعدم اهتمام المجتمع الكويتي بالزوجات المعنفات داعية المسؤولين إلى تخصيص خط ساخن لاستقبال حالات العنف ضد الزوجات ومراكز إيوائية تمكن الزوجة من اللجوء إليها ونشر الوعي بين الزوجات لوقايتهن من خطر العنف الجسدي.
ومن ناحيته قال عميد كلية العلوم الاجتماعية الدكتور حمود القشعان ان العنف الأسري هو أي صورة من صور ارغام المرأة اما جسديا أو نفسيا أو ماليا أو حتى وظيفيا على أداء أي أمر غير راغبة فيه.
واضاف القشعان أن أقصى أنواع العنف الذي يمارس في الأسرة الكويتية هو رفض الزوج العاطفي لزوجته معتبرا ان تأثيره يعادل تأثير العنف الجسدي إلا أن الأخير أكثر ظهورا في الإعلام.
واعتبر أن العنف الزوجي الجسدي في المجتمع الكويتي لا يعد حتى الان ظاهرة بل مشكلة مشيرا إلى أن العقبة الرئيسية في هذه المشكلة أنها مخفية وقليلا ما يتحدث الناس عنها.
وأوضح أنه لا توجد إحصاءات مباشرة حول العنف الجسدي في الكويت مشيرا إلى أنه من خلال عمله في المحكمة مدة 25 عاما كحكم مرجح في المذهب السني والجعفري وجد أن العنف لا يأتي سببا أولا في طلب الطلاق بل يكون أحد الأسباب المساعدة في تسريعه.
وقال عميد كلية العلوم الاجتماعية إن الطلاق بسبب العنف في الكويت يمثل نسبة 1 في المئة فقط مبينا أن العنف الجسدي المباشر يقع في المجتمع بشكل أكبر على الأخت العزباء من أخيها العازب.
واضاف الدكتور حمود القشعان أن الفتاة ذات المستوى التعليمي المنخفض أكثر عرضة لهذا النوع من العنف الذي لا يقتصر على فئة معينة في المجتمع بل ينتشر بين كل الطبقات والمستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وبين أن اعتماد المرأة بشكل كبير على الرجل لاسيما من الناحية الاجتماعية والمادية يعد أهم العوامل المثبطة التي تجعلها لا تخبر احدا عن العنف الذي تتعرض له إضافة إلى أن وجود الأبناء يجعلها تقيس المفاسد والمصالح لكنه اعتبر ان المرأة باتت اليوم وفي معظم الحالات شريكة للرجل لا تابعة له.
ورأى أن بذور العنف وخاصة غير المبرر غالبا ما تظهر مع بداية الزواج داعيا الزوجة المعنفة إلى حماية نفسها بإثبات الحالة وعدم السماح للزوج بالتمادي وإعلان رفضها التام لهذا السلوك حتى لا يشعر بأنها قبلت الأمر على نفسها فيصبح من السهل تكراره لأن سكوتها يعد وكأنه اعتراف ضمني منها بحقه في ممارسة العنف.
ودعا الزوجة التي ترى في وجود هذا الزوج خطرا عليها إلى الابتعاد عنه وهي سليمة النفس والجسد لا أن تنتظر إصابتها بامراض وتشوهات لأن حياتها أهم من التمسك بعلاقة مريضة مؤكدا أهمية إشراك العقلاء من الأهل حتى يعرف الرجل أن لهذه المرأة عزوة وسندا.
وشدد على أن القوامة الشرعية من الناحية الاجتماعية مهارة وفن في إدارة الأسرة وليست تسلطا واستبدادا مؤكدا أنها مرتبطة بالصبر الذي يتمثل في الحب والاحترام للزوجة وفي تربية الأولاد ومن ثم على كل رجل يريد أن يطبق القوامة أن يحسن إدارة هذه العلاقة الزوجية فلا يجعل التهديد والضرب الوسيلة السريعة لحل أي خلاف.
ولفت إلى أنه ومن خلال خبرته في قضية العلاقات الأسرية والتعامل مع الحالات وجد أن العنف لا يحدث من فراغ بل يكمن سببه في أنه كلما زادت حدة التعامل بين الزوجين وارتفع صوت المرأة في النقاش والتهديد والوعيد مع الزوج كانت ردة فعل الزوج أعنف ومن ثم يفقد أعصابه ومن هنا قد يحدث العنف.
ودعا الزوجة إلى حسن التعامل والتفاهم وإدارة النقاش بهدوء في حال ملاحظتها بوادر عنف من الزوج حتى لا يستخدم حدتها معه ذريعة لضربها.
وبدورها قالت الاستشارية النفسية والاكاديمية في كلية التربية الأساسية (قسم علم النفس) الدكتورة سعاد البشر ان أهم الأسباب النفسية التي تمنع المرأة من الإفصاح عن تعرضها للعنف الجسدي هو نظرتها للحياة الزوجية على أنها الاستقرار والأمان وعندما يحدث أي عارض يخل بهذا الشعور ترفضه خوفا من الانفصال التي تراه دمارا وتشتيتا لحياتها ولأطفالها.
وأعربت البشر عن أسفها لعدم وجود مراكز تلجأ إليها المعنفات لحمايتهن من ظلم الزوج مقارنة بالدول الأجنبية مبينة أن الزوجة بالكويت تضطر إلى تحمل عنف الزوج المستبد لحاجتها إلى المسكن.
واعربت عن اعتقادها بأن بعض الزوجات يتحاشين اللجوء إلى القانون خوفا من الدخول في متاهة القضايا والمحاكم التي قد تضر بسمعتهن وتؤثر سلبا على أبنائهن ولذلك يستجبن للعنف حفاظا على أسرهن أو لأنهن قد يكن مهددات من أزواجهن ويحول خوفهن منهم بينهن وبين تقديم شكوى.
وأشارت إلى أن الموروث الشعبي والعادات والتقاليد الخاطئة المتعارف عليها عند بعض الاسر الكويتية يلزم الزوجة بالصبر عند حدوث مثل هذا الأمر وتهوينه عليها وبناء عليه تقبل المرأة على نفسها الذل والهوان من غير وعي.
ولفتت إلى أن بعض النساء يعانين سوء مهارة توكيد الذات والثقة بالنفس مما يجعلهن دائما خانعات وراضيات مع يقينهن بعنف الزوج إلا أن الزوجة تسمح لنفسها باستفزاز زوجها مع علمها بأن النتيجة ستكون تعرضها للضرب داعية هذا النوع من النساء إلى تفادي حدوث مثل هذه الأخطاء لاسيما إذا كانت لا ترغب في الانفصال وذلك حتى تحافظ على كرامتها.
واشارت الى أنه في بعض الحالات تكون الزوجة أول من يبدأ بالعنف وبالتالي تشتعل الحرب بين الزوجين قائلة بعض الأزواج يعانون اضطرابات شخصية فضلا عن تعاطي المخدرات التي تجعلهم فاقدين للوعي فيتصرفون تصرفات عنيفة جدا تصل إلى حد إحداث عاهات دائمة بزوجاتهم.
وشددت على أهمية اتخاذ الزوجة موقفا صارما تجاه هذا النوع من الازواج والانفصال عنه مشيرا الى ان هذا الانفصال يجب الا يكون بالضرورة طلاقا بل بالابتعاد الجسدي إلى أن تهدأ الأمور وحتى يشعر بالندم ويتعهد بعدم التعرض لزوجته والمساس بكرامتها مرة أخرى.
وأكدت أن ضرب الرجل لزوجته دليل ضعف لا قوة مبينة أنه لا يوجد أي مبرر أو حق للزوج في ممارسة العنف تجاهها فالله تعالى كرم الإنسان بالعقل حتى يتحاور ويتوافق ويفكر ويتعايش ويتكيف.
واشارت الى أهمية نشر الوعي بين الشباب وتثقيف المجتمع بمعنى القوامة الصحيح والتوافق بين الزوجين وقيمة الحياة الزوجية معتبرة أن هذا الدور يقع على الجميع لاسيما الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين والمهتمين بالقضايا الاجتماعية وأولياء الأمور.
وأوضحت أهمية التوعية أيضا بمضار العنف اللفظي الذي عادة ما يسبق العنف الجسدي والتحكم بالانفعالات من كلا الطرفين وذلك من خلال المشاركة في دورات أو اللجوء إلى الاستشاريين النفسيين والجلسات العلاجية.
وفي الختام أعربت الدكتورة البشر عن أملها في أن يكون هناك منهج إلزامي في المرحلة الثانوية للذكور والإناث لتوعية أبناء الكويت بأهمية العلاقة الزوجية حتى يحترموا هذا الرباط المقدس الذي يعتبره البعض “تجربة” وبالتالي يستسهلون الإهانة أو التعنيف أو حتى الطلاق.