كويت نيوز: كد الكاتب الفرنسي برنارد ليفي، والمعروف بعراب “الربيع” العربي أن الديمقراطية في ليبيا لا تتحقق في خمسة أشهر أو خمس سنين وأنها قد تتطلب مئة عام كما حدث في فرنسا.
وعلق ليفي في حوار تلفزيوني مؤخرا على أوضاع ليبيا المزرية والمصائب التي حلت بها بعد التدخل العسكري الغربي الذي أسقط نظام القذافي عام 2011 بالقول إن نتيجة أي حرب لا تكون جيدة مئة بالمئة، ورأى أيضا أن الديمقراطية لا تتحقق دوما مئة بالمئة.
بالمقابل وجد الفيلسوف الفرنسي حسنات ومزايا في الوضع الليبي الراهن متمثلة في إنهاء الدكتاتورية وإتاحة المجال للشعب بأكمله للرهان على الحرية وخوض هذا الرهان!
وبرر ليفي الذي أسهم في إقناع الرئيس الفرنسي حينها نيكولا ساركوزي بالتدخل العسكري في ليبيا وحمسه على ذلك الأوضاع الليبية الراهنة مذكرا بأن بلاده بعد الثورة الفرنسية احتاجت لمئة عام للانتقال من الحكم المطلق الى حكم جمهوري، مشددا على أن الربح أو الخسارة المجازفة والمغامرة من الخصائص الدائمة للديمقراطية والحرية.
وفيما أقر تقرير برلماني بريطاني بأن تدخل لندن العسكري في ليبيا عام 2011 والذى جرى بتأثير دور حاسم لرئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، استند على معلومات استخباراتية خاطئة وعجل بانهيار هذا البلد سياسيا واقتصاديا، دافع فيلسوف “الربيع العربي” بحرارة عن التدخل لعسكري الغربي وقال إنه جاء تلبية لنداء ومناشدة من الأمة والشعب في ليبيا، ورأى أن فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا حالت حينها دون وقوع حمام دم في بنغازي.
واللافت أن السيد ليفي لم يأت بجديد، ولا يزال يكرر ما كان يقوله وهو يتجول بين الليبيين أثناء أحداث عام 2011، ولم يضف إلا فكرة تبدو مشتركة بين المسؤولين الغربيين الذين ينكرون حقائق الواقع على الأرض، ويبحثون عن ذرائع وعن جوانب وضيئة لإسقاط النظام في ليبيا عام 2011، وذلك بالقول، فيما يشبه الدليل القاطع والكلمة الفصل، إن الأوضاع الآن في ليبيا أفضل مما هي عليه في سوريا بفضل التدخل العسكري الغربي!
هذا الموقف كانت تحججت به هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في معرض دفاعها عن تلك الحرب المدمرة والتي لا تزال تداعياتها الكارثية تتراكم في ليبيا، لكن الفيلسوف الفرنسي أضاف إليه بعض الانفعالات العاطفية حيث قال: “أفضل عندي أن أكون ليبيا اليوم من أن أكون سوريا، إذا قارنا بين الحالتين!”.
والغريب أن ليفي، الذي لا يزال يبحث في كل مكان على الأرض عن معارك مشابهة لما يصفه بالحرب من أجل السلام وعن تجسيد للرؤية التنويرية للعالم وما شابه، يشدد على أن “التدخل يكون مرادفا للحرب حين ينتفي أي حل بديل”، لكنه لا يوضح لنا كيف ومتى استنفد الغرب جميع الوسائل في ليبيا واضطر للحرب كارها!
ومن جانب آخر، يحاول ليفي وغيره أن يجعلوا من الأزمة السورية شماعة يعلقون عليها الأخطاء القاتلة التي تسببت في كوارث متلاحقة في العراق وأفغانستان وليبيا، وهم يفعلون ذلك بإصدار الأحكام السريعة دون التوقف أمام التفاصيل.
وهم يتحدثون عن سوريا كما لو أن نزاعا داخليا صرفا يدور هناك بين سوريين، فلا مقاتلين أجانب ولا أسلحة ولا أموال عبرت الحدود وأضرمت نيران حرب دموية هناك.
كما أن هؤلاء لا يريدون أن يتوقفوا لبرهة ويتساءلوا: لماذا كلما حملوا قنابلهم إلى مكان، ظهر “داعش” في أثرهم، وزاد الخراب وحمامات الدم؟
لماذا حين يغرس الغرب “الديمقراطية” و”الحرية” بقوة الحديد والنار في أرضنا، بعد أن يحطموا أسوارها ويقتلوا مناعتها، ينمو بدلا عنها التطرف؟
ليس لدى السيد برنارد ليفي إجابات حقيقية يمكن لمسها وهو لا يستطيع أن يجادل الواقع المأساوي الكئيب الذي تعيشه ليبيا الآن، وذلك ببساطة لأنه لا يعرفه مطلقا ولا يعنيه، فهو قد مر بالبلاد على عجل وتركها قاعا صفصفا، وها هو الآن يجلس أمام الشاشات ينظر ويشارك الليبيين همومهم ويقول لهم كما لو أنه يواسيهم: “أفضل أن أكون اليوم ليبيا من أن أكون سوريا”.