كويت نيوز: روت “جيفا أكبور”، وهي سيدة مسلمة كانت على متن رحلة مسافرة من جلاسكو إلى ملقة، في منشور على فيسبوك، قصة صداقتها غير المتوقعة مع “بيفرلي”، جارتها في مقعد الطائرة، بعد حدوث سوء تفاهم كبير بينهما، نهضت “بيفرلي” مذعورة من مقعدها على إثره، واتجهت لاثنتين من مضيفات الطائرة لطلب تغيير مقعدها في الحال!
وتوضح “جيفا” سبب ذلك قائلة إن “بيفرلي” لمحتها تكتب بالعربية في محادثة للدردشة على هاتفها وتكتب كلمة “الله” في وسطها، فأصيبت بالهلع الشديد ورفضت البقاء لجوارها، فيما بدت “جيفا” مشوشة في البداية لا تدري ما سبب كل هذا الذعر الذي أصاب جارتها وظنتها وعكة صحية أُصيبت بها، ولم تتوقع قط أن رسالتها القصيرة لأصدقائها في المجموعة الإسلامية التي تعزيهم فيها بعد حادث سيارة قائلة “حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت، أدعو الله أن يخفف عنكم جميعاً” هي سبب هذا كله، وفقاً لما نشرته صحيفة The Daily Mail البريطانية.
وبعدها بدأ التفاهم بينهما وشرحت “جيفا” لها معنى كلمة “الله” في الإسلام التي تعني الإله، واستمر الحديث يجري بينهما حتى تبادلتا الأحضان وأرقام الهواتف والوعود باستمرار التواصل في نهاية الرحلة.
وفيما يلي نص المنشور الذي نشرته “جيفا” على فيسبوك، ولقي تفاعلاً بآلاف الإعجابات والمشاركات والتعليقات من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
مررت اليوم بأفضل رحلاتي وأكثرها متعة والتي لن أنساها ما حييت. (هذا المنشور لأجل مشاركتكم تجربتي الرائعة اليوم، ولنشر بعض الحب في هذا العالم، فاستعدوا للقراءة الطويلة!).
كنت في طريقي من غلاسكو إلى ملقة لمقابلة مجموعة الشيخ عبدالله حكيم للسياحة الإسلامية في إسبانيا، وجلست بمقعدي في أحد الصفوف الأخيرة في الطائرة، كما جلست بجواري سيدة تصطحب ابنها ذا الـ11 عاماً، حيث جلس هو بجوار النافذة وهي إلى جواره وأنا على المقعد الخارجي بجوار الممر.
ظللنا على الأرض حوالي 40 دقيقة بسبب المشاكل في المرور، لذا فتحت الواتسآب على هاتفي لإلقاء نظرة ومتابعة رسائل فريق “الثورة القرآنية” الذين يشاركون في إحدى الحملات بلندن اليوم.
وبينما كنت أتصفح تلقيت رسالة مؤسفة من الفريق تقول إن السيارة الخاصة بمعدات مقر الحملة قد سُرقت، إذ يبدو أنها تُركت مفتوحة فجاء شخص ما ونهب كل ما كان بها من مواد وشوكولاتة وموارد جهزها الفريق لليوم!
صُدمت بالطبع، لكنني كتبت رداً على المجموعة أبلغهم فيه تعازيّ “حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت، أدعو الله أن يخفف عنكم جميعاً”، وانصرفت لمتابعة الرسائل الأخرى، ثم طلبت السيدة الجالسة إلى جواري أن أسمح لها بالمرور فقمت عن مقعدي ومرّت ظناً مني أنها تريد الذهاب لدورة المياه، ثم عادت مرة أخرى، فقمت لها لتعود إلى مقعدها، لكنها لم تعد على الفور ونظرتُ إلى وجهها فوجدته ينطق بالذعر والهلع.
ولاحظت اثنتين من المضيفات (الرائعات) خلف ظهرها يساورهما القلق أيضاً، فابتسمتُ وأومأت لها نحو المقعد لتتخذ مكانها، لكنها بدت مترددة، وسمعت أيضاً إحدى المضيفتين تقول لها “يمكن الجلوس على مقعدك الخاص سيدتي”، لكنها ظلت واقفة ونظرة الخوف لا تفارق وجهها.
ولجزء من الثانية؛ كنت مشوشة، وظننت أنها تعاني مشكلة صحية أو شيء من هذا القبيل وعلى وشك الإصابة بنوبة هلع.
وفي تلك اللحظة قطع صوتها تخميناتي قائلة لي “رأيتك تكتبين رسالة نصية وفيها كلمة “الله”، توقف قلبي وقلت في نفسي “ياإلهي!” لكني قلت لها “حسناً” ثم كررت كلماتها وبدا أنها على وشك الانخراط في البكاء، ولا أتذكر ما قلته تحديداً وقتها لكنه غالباً “حسناً، الله تعني “الإله” في العربية”.
وبينما نقف نحن الأربعة ويسمعنا من يجلسون على مقربة، قالت إحدى المضيفات لها “ليس لدينا أية مقاعد إضافية أخرى متاحة على متن الطائرة” بينما لم أكن أصدق ما أسمعه.
وظللت أفكر؛ هذه السيدة خائفة بالفعل من الجلوس بجواري طوال الرحلة، وذهبت للطاقم لتخبرهم أنها رأتني أكتب كلمة “الله” في رسالة نصية وتريد تغيير مقعدها، وربما لا ترغب في وجودي أصلاً على متن الرحلة!
وتواردت في خاطري قصصُ الحوادث المشابهة في الآونة الأخيرة لركاب مسلمين، ها أنا مسافرة مسلمة وحيدة على متن الرحلة.
لكن أضافت المضيفة متحدثة مباشرةً إلى السيدة “لكن يمكنك مغادرة الرحلة إن أردت”.
وعلي أن أعترف أنني شعرت ببعض الراحة، إذ لم أكن أنا في نظر الجميع “سبب المشكلة”، فقد أخبروها إن كان لديها مشكلة أن بوسعها المغادرة.
لكن أزعجني ما وضعت هذه السيدة نفسها فيه، فكانت تهتز وتتنفس بصعوبة واحمرّ وجهها، ثم جلست في مقعدها إلى جواري وجوار ابنها ولا تزال مصدومة فقلت لها مرة أخرى “إنها مجرد كلمة عربية تعني الإله، لا داعي للقلق”، كما تأكد أفراد الطاقم مرة أخرى من عدم رغبتها في المغادرة فهزت رأسها في تردد، والتفت أنا لها في محاولة لتهدئة روعها لكن بحذر حتى لا أتسبب في المزيد من الخوف.
لبضعة دقائق كانت تحدق بي وتنظر إلى عيني مباشرة، بينما بدأت أنا بدوري أتلعثم في الكلام وأخبرها كيف أن هذه الرسالة التي كتبتُها كان الهدف منها بعث الأمنيات الطيبة لزملائي في العمل لأنهم تعرضوا لحادث سرقة اليوم.
وسرعان ما أعطيتها المزيد من المعلومات وأخبرتها ‘أنني فتاة مسلمة عادية، أسافر في طريقي إلى أسبانيا للقيام بجولة هُناك، وأنني وُلِدت وتربيت في مانشستر الكُبرى، ببريطانيا، وأنه لا داعي للقلق من الجلوس بجانبي’.
بعد حوالي 15 دقيقة من الحديث معها، لاحظت أنها بدأت تهدأ وتتقبل ما أقوله لها.
أخذت أمسح على ذراعيها وأخبرتها أنني لا أُمَثِّل أي خطر أو تهديد بالنسبة إليها. وأخبرتها أنني أؤمن بالله، وبالتالي، من الطبيعي أن تشير بعض الكلمات التي أكتبها في رسائلي إليه، وأن كلمة ‘الله’ هي التي نستخدمها للإشارة إلى الله. وأكملنا الحديث لتخبرني أنها هي أيضاً امرأة متدينة، من الروم الكاثوليك، وأكملنا حديثنا عن العقيدة الخاصة بكل منا.
ولم يَمُر وقت طويل قبل أن أشعر بنبرة من الشعور بالندم في صوتها وحديثها، ويبدو وكأنها صُدِمَتْ من ردة فعلها، وأدركتْ ما كانت أفكارها تقودها إليه.
وقالت لي ‘من المُرعِب تَخَيُّل ما تدفعنا وسائل الإعلام إلى تخيله’ وقالت أيضاً ‘أنا فقط شعرت بالذُعر’.
أما الرحلة ذات الثلات ساعات التي كنت أظنها ستكون رحلة قصيرة يمكنني أن أنال فيها قسطاً من النوم، فقد تحوّلت إلى أكثر الأحاديث القلبية العاطفية التي مررت بها في حياتي مع أحد الغرباء.
دافعت فيها عن مُعتقداتي، وشجعتها على طرح أي أسئلة تخطر ببالها وأخبرتُها أنني سأفعل ما بوسعي لأجيبها. وبعد مرور حوالي 20 دقيقة من حديثنا سوياً، بدأت بتكرار جملة ‘أنا آسفة جداً’، ‘أنا آسفة جداً’.
تعمّقنا في الحديث أكثر وأكثر. ومع تبادُل الكلمات بيننا، كنت أرى تغييراً واضحاً في قلبها مُنعكساً عليها. فقد شَعُرَتْ بالندم. ندم صادِق من صميم قلبها.
أخذنا نتحدث عن مُعتقداتنا، وعائلاتنا، والطريقة التي نشأنا عليها، ووجهة نظر كل منا حيال الأحداث الجارية، والحالة المُحزنة التي أصبح العالم عليها الآن، وكيف أن تلك الحالة هي أحد الأسباب التي أدت إلى الحديث الذي نقوم به سوياً الآن. وفي حديثنا عن عائلاتنا، تبادلنا صور أحبّتنا، وتحدثت أنا عن والدتي وطبخها، وعن السفر، وضرورة امتلاك قلب كريم مفتوح للجميع، ليتمكن المرء من رؤية العالم من حوله والتواصل مع مَن فيه مِن أشخاص.
تحدثنا عن أسكتلندا، وعن إنكلترا، وعن العمل الذي يقوم به كل منا. تحدثنا أيضاً عن الزعماء في بلادنا، وعن مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، وسعر الصرف في السوق.
كما تحدثنا عن لعبة Pokemon Go، ولعبة roller coaster في الملاهي، وعن الأماكن التي نود السفر إليها. ثُم تحدثنا عن المساجد، والكنائس، وعن والدينا. وأخيراً، تحدثنا عن الحالة الصحية لكل منا، والعلاقات الموجودة في حياتنا، وخططنا للمستقبل.
تحدثنا كثيراً وضحكنا كثيراً، وفي بعض اللحظات ملأت الدموع أعيننا.
وعندما طلبت زجاجة مياه، وجدتها تدفع هي ثمنها.
أما واحدة من أجمل اللحظات -فقد كانت عندما وجدتها تخرج زجاجة العطر الخاصة بها، والتي أخبرتني بأنها المُفضلة لديها، وهذه الزجاجة على وجه الخصوص كانت لديها مكانة خاصة عندها لوجود نجمة على غطائها. وما عَلِمْته لاحقاً، أنها تكنّ غلاوة خاصة للنجوم، إذ إنها تعتبر أنها مصدرٌ لإلهامها، ولذا أرادتني أن أحصل عليها.
وفي الكثير من الأحيان عندما كنا نأتي على ذكر شيءٍ يتعلق برؤيتنا للعالم من حولنا ومن نقابلهم في طريقنا، كانت تواظب حينها على الاعتذار مراراً وتكراراً.
وبعد أن أمضينا أكثر من ساعتين في حديثنا سوياً، كنت كثيراً ما أضحك عندما أتذكر ما حدث بيننا. كنت أريد أن أفهم العقلية التي دفعتها إلى ما فعلته.
فسألتها ‘ما الذي تبادر إلى ذهنك عندما رأيتِني أكتب كلمة ‘الله’؟
فقالت لي ‘كُل ما كنت أفكر فيه، أنه رُبما تكون هذه هي الرسالة الأخيرة التي تقومين بإرسالها..’. وعندما سمعت ذلك منها بدأت في الضحك، ومع كل ضحكة أقوم بها كانت تعتذر كثيراً.
أخبرتها أننا جميعاً نرتكب الأخطاء. وهذا صحيح، فلا يوجد أحد منا معصوم عن الخطأ.
ولكن في ذلك الحين، يكون الخطأ الفادِح الذي قامت به، هو حرفياً السبب الذي يجعل حياة الكثير من المسلمين العاديين حول العالم أكثر صعوبة، ويترتب على تلك الأفعال نتائج مأساوية، لا تبرير لها، ومُدمرة للغاية.. ولكن اليوم، كان من حظها أنها جلست بجانب الفتاة الأكثر برودة على الإطلاق؛ ولذا لم تَكُن هناك مشكلة.
ولم تَكُن هناك مشكلة بالفعل. فقد شجعتها على تمضية الوقت في الحديث مع غيري من المسلمين، وألا تُصَدِّق الذعر الذي يتسبب فيه السياسيون ووسائل الإعلام حول العالم.
فقد عَرِف كُل منا التأثير الحقيقي الذي قد يقع على اثنين من الأشخاص العاديين الجالسين بجانب بعضهم بعضاً لبضعة ساعات في رحلة إلى إسبانيا.
وطلبت منها أن تأخذ وقتها في التفكير بمفردها ولا تدع أحداً يقوم بذلك عنها، وأن تنظر دائماً إلى جميع من حولها بعين الإنسانية.
قُمت اليوم بواحدة من أكثر الرحلات الممتعة في حياتي، والتي لن أنساها ما حييت. كوّنت صداقة مع بيفيرلي، والتي ارتكبت خطأ واعترفت به.
قابلت سيدة رائعة للغاية من داخلها، وقد أظهرت لي أن الترويج للخوف المنتشر والمقصود، والذي يتم على استراتيجية وضعتها قوى العالم الموجودة الآن، كُل ذلك أمر حقيقي وواقعي، وقد يجعل ردود الأفعال الخاصة بشخص عادي مروعة وصادمة.. ولكن الله سبحانه وتعالى بكرمه ولُطفه، يحول تلك الأحداث إلى لحظات مُدهِشة.
أعرف جيداً أن اليوم كان مميزاً بالنسبة لكل مِنّا، وتعلمنا منه الكثير من الدروس. تبادلنا الأحضان، وأرقام الهواتف، وسوف نبقى دائماً على اتصال.
وعلى الرغم من أن الأحداث المُماثلة لما عايشناه، والتي تحدث مع الكثير والكثير من مسلمي العالم، لا تكون دائماً بهذا المقدار من التفاهُم ولا تنتهي بنهايات سعيدة مثل ما انتهينا إليه، لكنني وبِكُل صدق، أحمل كُل الحُب والتقدير لبيفرلي، وأدعو أن نحتفظ بالذكريات الطيبة التي تشاركناها سوياً اليوم.
أبعث بالكثير من الحُب إلى ابنها ووالدتها كذلك، مع أنهم لم يشهدوا على ما حدث اليوم، ولكنني أؤمن بما يحمله كُل منهما من جمال بحسب ما أخبرتني به عنهم.
ولا يمكنني أن أنسى مضيفات الطيران الرائعات للطائرة Jet2، وأبعث إليهن بالكثير من الحُب كذلك. وذلك لأن الدعم الذي منحوني إياه كان سبباً في شعوري بالأمان وبأنني شخص ‘سوي’، وهذا أمر ثمين للغاية بالنسبة إلي.
يمكنني أن أنشر الصور التي التقطناها سوياً ولكنها صور حمقاء نوعاً ما 😛 كما أنهم أخبروني أنهم قد يواجهون بعض المشاكل إن ظهرت تلك الصور على الفيسبوك.. ولِذا، إبقاؤهم كأشخاص مجهولين من دواعي سروري.