كويت نيوز: فيما كان الغرب منشغلا بالحديث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان كان العقيد بوب دينار ومرتزقته منشغلين في تدبير الانقلابات والتدخلات العسكرية في إفريقيا ومناطق أخرى على مدى 40 عاما.
تسنى للعقيد بوب دينار واسمه الحقيقي جيلبير بورغو فعل الكثير خلف الكواليس بمجاميع من الجنود المرتزقة من فرنسا وبلجيكا وجنوب إفريقيا، وشارك في نحو 20 انقلابا أو محاولة انقلاب أو غزو منذ بداية ستينات القرن الماضي، ودشن بذلك عصر الجيوش الخاصة.
من بين تلك المغامرات التي خاضها ومرتزقته تنفيذه أربعة انقلابات في جزر القمر بين عامي 1975 – 1995، حيث ظل بوب دينار لعقد من الزمن حاكما فعليا لهذه الدولة المتكونة من عدة جزر في المحيط الهادئ قبالة الساحل الشرقي للقارة الإفريقية.
وقد شارك هذا المرتزق الفرنسي في مغامرات عسكرية مختلفة معظمها جرت في إفريقيا، في أنغولا وبنين والكونغو والغابون ونيجيريا وتشاد وروديسيا التي تعرف في الوقت الراهن بزمبابوي، وأيضا في إيران وفي اليمن.
هذا المغامر الفرنسي الخطير الذي عمل بمثابة “بندقية للإيجار” حُوكم مرتين في فرنسا على محاولتي انقلاب في بنين وجزر القمر في عامي 1993 و2006 وأدين في الحالتين، إلا أن الحكم كان بالسجن مع وقف التنفيذ، ومع ذلك لم يرض هذا الحكم محاميه الذي عد موكله “كبش فداء للجمهورية”.
ولد هذا المغامر الفرنسي الذي ترك بصمة غائرة في كل مكان وصل إليه صحبة بنادقه المأجورة، في مدينة بوردو جنوبي فرنسا عام 1920، وانضم في سن مبكرة لسلاح البحرية، وأرسل إلى فيتنام ثم إلى المستعمرات الفرنسية الأخرى في الهند الصينية، وانضم إلى الجندرمة الفرنسية في المغرب عام 1952، وسجن لفترة وجيزة في عام 1956 بتهمة التورط في مؤامرة لاغتيال رئيس الوزراء الفرنسي بيير منديس فرانس.
وبدأت مغامراته العسكرية بعد فترة من إطلاق سراحه، حيث شارك عام 1961 في محاولة انفصالية فاشلة في منطقة كاتانغا بالكونغو، ثم شارك في الحرب باليمن إلى جانب قوات الإمامة، وأعلن حينها أنه يعمل بشكل وثيق مع الاستخبارات البريطانية.
وساعد فيما بعد الجنرال المتمرد أوجوكو في حرب بيافرا الانفصالية في نيجيريا والتي تواصلت نهاية الستينات لأكثر من عامين، وتميزت بعنفها ودمويتها.
وأوصلته تجاربه السابقة والخبرات التي اكتسبها إلى جزر القمر عام 1975، حيث نجح في تنفيذ انقلاب ضد الرئيس أحمد عبد الله عبد الرحمن، ثمن عاد لاحقا عام 1978 وأطاح بالرئيس علي صويلح وتسبب في مقتله، وأعاد الرئيس المخلوع أحمد عبد الله، واعتنق الإسلام وغير اسمه إلى سعيد مصطفى محجوب، وبات الحاكم الفعلي للبلاد حتى عام 1989، حين قُتل الرئيس أحمد عبد الله في ظروف غامضة بعد أن أصدر قرارا بحل الحرس الرئاسي الذي كان يقوده بوب دينار.
وإثر ذلك فر هذا العقيد العنيد إلى جنوب إفريقيا، ثم عاد بعد ثلاث سنين إلى فرنسا حيث برأته المحكمة في قضية مقتل رئيس جزر القمر أحمد عبد الله، وحكمت عليه بالسجن مع وقف التنفيذ في قضية محاولة انقلاب في بنين نفذت عام 1977.
وشهد عام 1995 آخر مغامرات هذا المرتزق الشهير، وكانت في جزر القمر حيث فشل في الاستيلاء على السلطة من جديد مع نحو 30 من القتلة المحترفين، وتدخلت حينها القوات الفرنسية لاستعادة النظام، وكانت تلك إشارة إلى قرار باريس الاستغناء نهائيا عن خدماته.
بوب دينار، هذا المغامر الخطير الذي توفى في فراشه عام 2007 بعد صراع مع مرض الزهايمر، كان لا يخفي أن ما يقوم به يتم بموافقة ضمنية من الحكومات الفرنسية، وقد أجاب ذات مرة عن سؤال عما إذا تلقى ضوءا أخضر من باريس بالقول: “ليس بالضبط، تلقيت ضوءا أصفر فقط”.
ولم يرتبط هذا القائد المأجور بسلطات بلاده التي زودته بجوازات السفر وبالمال فقط، بل وارتبط بعلاقات وثيقة مع نظام الفصل العنصري حينها في جنوب إفريقيا وبالاستخبارات الأمريكية والبريطانية.
وقد دافع عنه رئيس سابق للاستخبارات الفرنسية بالقول: أجهزة الاستخبارات “حين لا تكون قادرة على القيام بأنواع محددة من العمليات السرية الخاصة، فهي تستخدم تشكيلات موازية، وهذا هو الحال الذي كان عليه بوب دينار”.
واللافت أن الندم لم يراود هذا القاتل المحترف وصانع الانقلابات لا من قريب ولا من بعيد، إذ أعلن متفاخرا حين بلغ من العمر عتيا وكان يعرج، أنه أصيب خلال مغامراته الطويلة خمس مرات عدا الخدوش!