كويت نيوز: “ليس من شيءٍ إلا وأنا أرحمه من الدهر، إلا الهرمين فإني أرحم الدهر منهما”، هكذا وصفت العرب قديماً أهرامات الجيزة التي وقفت صامدة لآلاف السنين أمام محاولات البعض لهدمها.
لكن منذ أيام، خرج تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ “داعش” ليهدد بتدمير أهرامات الجيزة، في لقطات فيديو جديدة تظهر تدمير التنظيم لمعبد “نابو” بالعراق الذي يعود تاريخه لـ 2500 عاماً، بحسب صحيفة Daily Mail البريطانية.
وكرد فعل على التهديد، صرّح مصدر أمني بوزارة الداخلية المصرية أن معالم البلاد السياحية مؤمنة بشكل كبير، وتخضع لمراقبة أمنية على مدار 24 ساعة، كما أن منطقة الأهرامات الأثرية بها نحو 197 كاميرا مراقبة ثابتة ومتحركة لتأمينها بشكل كامل، الأمر الذى يجعل من الصعوبة ارتكاب أية أعمال تخريبية تستهدف هذه المعالم الأثرية، بحسب صحيفة “اليوم السابع” المصرية.
وكان الداعية الكويتي إبراهيم الكندري آثار الجدل العام الماضي، بعدما صرّح بوجوب هدم الشرك وآثاره، بما في ذلك الآثار التاريخية كأبو الهول والأهرامات، حتى لو ادعى البعض أن بعض الصحابة رأوا هذه الآثار ولم يهدموها
وفيما يلي نستعرض أبرز المحاولات التاريخية لهدم أهرامات الجيزة:
المأمون.. وأولى المحاولات
كانت أولى محاولات هدم الأهرمات على يد الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد، الذي حاول هدم الهرم الأصغر “منكاورع”، لكنه لم يستطع فعل شيء به إلا حفر نفق داخل الهرم سُمي لاحقاً باسم نفق “المأمون”، الذي لا يزال مستخدماً حتى الآن والذي يظهر مدخله بوضوح لمشاهدي الهرم من الخارج.
ويدعي بعض المؤرخين عثور المأمون على كنوز داخل الهرم، يقول ابن خلدون في مقدمته، “وكذلك اتفق للمأمون في هدم الأهرام التي بمصر، وجمع الفعلة لهدمها، فلم يحل بطائل. وشرعوا في نقبه فانتهوا إلى جو بين الحائط الظل وما بعده من الحيطان، وهنالك كان منتهى هدمهم. وهو إلى اليوم فيما يقال منفذ ظاهر. ويزعم الزاعمون أنه وجد ركازاً بين تلك الحيطان. والله أعلم”.
الهدم لبناء قلعة صلاح الدين
عين صلاحُ الدين الأيوبي الوزيرَ بهاء الدين قراقوش نائباً عنه على مصر، وأثناء تلك الفترة قام قراقوش بهدم العديد من الأهرامات الصغيرة، من أجل بناء قلعة القاهرة وأسوار عكا والقناطر الخيرية.
يقول عبد اللطيف البغدادي في كتابه “الإفادة والاعتبار في الأمور والمشاهدات والحوادث المعاينة بأرض مصر”، وفي “بوصير منها شيء كثير (أي الأهرامات)، وبعضها كبار وبعضها صغار وبعضها طين ولبن وأكثرها حجر وبعضها مدرّج وأكثرها مخروط أملس، قد كان منها بالجيزة عدد كثير لكنها صغار فهدمت في زمن صلاح الدين يوسف بن أيوب، على يدي قراقوش، وهو الذي بنى السور من الحجارة محيطاً بالفسطاط والقاهرة وما بينهما وبالقلعة التي على المقطّم، وأخذ حجارة هذه الأهرام الصغار وبنى بها القناطر الموجودة اليوم بالجيزة”.
ويتهم البعض قراقوش بأنه من أزال كسوة الأهرامات التي كانت مليئة بالنقوش، إلا أن خبير الآثار د. عبد الرحيم ريحان أكد أن الكسوة الخارجية لواجهات الهرم الأكبر، المكونة من أحجار ملساء عليها نقوش وطلاسم، تساقطت بفعل زلزال كبير ضرب مصر في العام 1301 للميلاد، بحسب صحيفة “الأهرام”.
العزيز اليوسف.. ومحاولة فاشلة
بعد وفاة صلاح الدين حاول ابنه العزيز عثمان بن يوسف هدم الأهرمات، حيث بدأ بالأصغر “منكاورع”، ورغم تسخير الكثير من العمال والموارد فإنه لم يستطع خلع إلا أحجار بسيطة، وبعد 8 أشهر يأسوا من تلك المهمة.
يقول المؤرخ عبد اللطيف البغدادي في “الإفادة والاعتبار”، وكأن الملك العزيز عثمان بن يوسف لما استقل بعد أبيه، “سوّل له جهلة أصحابه أن يهدم هذه الأهرام فبدأ بالصغير الأحمر وهو ثالثة الأثافي، فأخرج إليه الحلبية والنقابين والحجارين وجماعة من عظماء دولته وأمراء مملكته وأمرهم بهدمه ووكّلهم بخرابه فخيّموا عندها وحشروا عليها الرجال والصنَّاع ووفروا عليهم النفقات، وأقاموا نحو 8 أشهر بخيلهم ورجلهم يهدمون كل يوم بعد بذل الجهد واستفراغ الوسع الحجر والحجرين”.
ويكمل البغدادي، “فلما طال ثواؤهم ونفدت نفقاتهم وتضاعف نصبهم ووهنت عظامهم وخارت قواهم، كفّوا محسورين مذمومين لم ينالوا بغية ولا بلغوا غاية، بل كانت غايتهم أن شوّهوا الهرم وأبانوا عن عجز وفشل”.
20 مليماً تنقذ الأهرام من محمد علي
أصدر حاكم مصر محمد علي أمراً إلى المهندس الفرنسي لينان بهدم الهرم الأكبر، واستخدام أحجاره الضخمة لبناء قناطر جديدة عند رأس دلتا النيل في منطقة شلقان، والتي أصبحت فيما بعد القناطر الخيرية.
وبحسب وثائق تاريخ الري المصري القديم في متحف الثورة الذي أقامته ثورة يوليو في منطقة القناطر الخيرية في العام 1957، فإن المهندس الفرنسي حاول إثناء محمد علي عن قراره على أساس أن كميات أحجار الهرم الأكبر ستزيد 4 أمثال المطلوب لبناء القناطر الجديدة، وأن أحجار الهرم الأصغر لا تكفي للتشييد.
ولا تعرف دوافع المهندس الفرنسي لمنع محمد علي من هدم الهرم، إلا أن البعض يرجح معرفة لينان بالقيمة التاريخية للأثر العظيم.
وتحكي الوثائق أن المهندس لينان طلب المساعدة من قنصل فرنسا العام في مصر، الذي انحاز بشدة لجهود حماية الهرم، لكن ما دفع محمد علي إلى التخلي عن إصراره لم يكن إلا فكرة وجود بديل آخر، يمكن أن يوفر20 مليماً، فقد ذكر لينان للوالي أن تكلفة نقل المتر الواحد من أحجار الهرم 10 قروش، أي 100 مليم، وأن تكلفة نقلها من محاجر قريبة من منطقة شلقان تبلغ 8 قروش، أي 80 مليماً، وهنا فقط تراجع والي مصر عن قرار هدم الهرم الأكبر.
نابليون بريء من أنف أبو الهول
يدعي البعض أن أنف أبو الهول قد هدم بفعل مدافع القائد الفرنسي نابليون بونابرت أثناء تواجده في مصر، إلا أن العديد من المؤرخين والعلماء شككوا في صحة هذه الرواية.
في حين اتهم البعض رجل دين عاش خلال حقبة الدولة الفاطمية يدعى صائم الدهر، إذ أشار المقريزي إلى أن أنف أبي الهول هشمها المتصوف صائم الدهر، الذي كان ينظر إليه الناس نظرة تقديس في ذلك الوقت.
رغم ذلك، ادعى بعض الباحثين ذكر الرحال المقدسي لقصة هدم أنف أبي الهول قبل ذكر المقريزي لها بحوالي 500 سنة، ويؤكد الباحث الأثري محمود حجاج، لصحيفة “الأهرام”، أن المقدسي شاهد بعينه تحطيم أنف أبي الهول، في حين نقل المقريزي عن مَن سبقه كالمؤرخ عبداللطيف البغدادي.