كويت نيوز: استقدم تنظيم «داعش»، أمس، تعزيزات عسكرية في الرقة وحشد أكثر من ألفي مقاتل استعداداً للدفاع عن عاصمة «خلافته» في أشرس معركة أطلقت قوات سورية الديمقراطية شرارتها منذ 3 أيام، وتمكنت خلالها من تحقيق تقدم سريع في الريف جنوبي تل أبيض وفي محيط عين عيسى.
في اليوم الثالث من معركة الرقة المصيرية، التي حشد لها تنظيم “داعش” مقاتليه تحسباً لمواجهة لن يكون حسمها سهلاً، كثفت أمس قوات “سورية الديمقراطية” تحت غطاء جوي من التحالف الدولي، حملتها الهادفة لتحرير أول محافظة تخرج عن سيطرة الرئيس بشار الأسد.
وأعلنت هذه القوات، المؤلفة من تحالف فصائل عربية وكردية على رأسها وحدات حماية الشعب الكردية، أنها تمكنت من “التقدم لمسافة 7 كيلومترات من عين عيسى”، بعدما “حررت خمس قرى وأربع مزارع” في المنطقة. قبل أن تعلن في وقت سابق سيطرتها على قريتي متمسرج ونموردية القريبتين من عين عيسى.
وأكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، لوكالة “فرانس برس” أمس أن “سورية الديمقراطية استهدفت وقصف مواقع التنظيم في القرى المجاورة لمناطق وجودها في محيط بلدة عين عيسى”، على بعد نحو 55 كيلومترا عن الرقة، مشيرا إلى استمرار “طائرات التحالف الدولي بقيادة أميركية بتنفيذ غارات تستهدف مواقع وتحركات الجهاديين، لكن بوتيرة أقل عن اليومين الماضيين”.
وأكد عبدالرحمن أن “التقدم ليس استراتيجياً حتى اللحظة، إذ تدور المعارك في قرى ومزارع خالية من السكان المدنيين على بعد كيلومترات عدة عن عين عيسى”.
«عاصمة الرشيد» من الازدهار إلى فظائع «داعش»
باتت الرقة تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد السوري بسبب الزراعة، وتوج بناء سد على مستوى مدينة الطبقة ازدهار هذا الدور، وبلغت أوج ازدهارها في عهد الخلافة العباسية. وفي عام 722 أمر الخليفة المنصور ببناء مدينة الرافقة على مقربة من مدينة الرقة.
وفي عام 796 جعل الخليفة هارون الرشيد من الرقة عاصمته الثانية على مفترق طرق بين بيزنطية ودمشق وبلاد ما بين النهرين. وفي عام 1258 دمر المغول مدينتي الرافقة والرقة على غرار ما فعلوا ببغداد.
وفي الرابع من مارس 2013 وبعد عامين من بدء الثورة السورية، تمكن مقاتلو الجيش الحر من السيطرة على الرقة لتكون أول عاصمة محافظة تخرج عن سلطة الرئيس بشار الأسد. واعتقلت المعارضة المحافظ وسيطرت على مقر المخابرات العسكرية، أحد أسوأ مراكز الاعتقال في محافظة الرقة.
كما تم تدمير تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد. وفي البداية، كان مقاتلو الجيش الحر يفتقرون كثيراً إلى السلاح فرحبوا بالجهاديين المزودين بأسلحة متطورة وتعاونوا معهم، قبل أن يقرروا وقف ذلك بسبب تطرفهم ولجوئهم إلى الاعتقالات الاعتباطية.
وفي أغسطس 2013 تمكن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من طرد مقاتلي الجيش الحر من مقر قيادتهم في الرقة. وفي الرابع عشر من يناير 2014 سيطر بشكل كامل على المدينة، قبل أن يغيّر اسمه في يونيو 2014، ليصبح تنظيم الدولة الإسلامية ويعلن “دولة الخلافة” على الأراضي الواقعة تحت سيطرته في العراق وسورية.
وفي الرابع والعشرين من أغسطس بات التنظيم يسيطر بشكل كامل على محافظة الرقة بعد انتزاع مطار الطبقة من قوات النظام. وسريعاً ما فرض قوانينه على الرقة، مستخدماً كل أساليب الترهيب، ومنها الإعدامات الجماعية وقطع الرؤوس والاغتصاب والخطف والتطهير العرقي والرجم وغيرها من الممارسات الوحشية.
«الصحة العالمية»: سورية الأخطر
شكلت سورية العام الماضي البلد الأكثر خطورة للعاملين في القطاع الصحي، الذين يقدمون خدماتهم في ظل الصراعات أو في حالات الطوارئ، متقدمة بفارق كبير على الأراضي الفلسطينية وباكستان واليمن، وفقاً لإحصاءات أصدرتها منظمة الصحة العالمية.
وهذه المرة الأولى التي تنشر فيها الوكالة مثل هذه البيانات بشكل شامل، حسب ما أوضح رئيس إدارة حالات الطوارئ في منظمة الصحة العالمية ريك برينان. وتشمل الأرقام هجمات وأعمال عنف أخرى سجلها العاملون في مجال الصحة على مدى العامين الماضيين في 19 بلداً.
وقال برينان إن “إحدى أكثر الأمور المثيرة للقلق هي أن ثلثي الهجمات كانت متعمدة”، مضيفاً “هذه الهجمات تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي”، موضحا “اذا تم التثبت منها، يمكن اعتبارها جرائم حرب”.
ووفقاً للتقرير، تم تسجيل 256 هجوما العام الماضي استهدف المنشآت الطبية والعاملين في مجال الصحة وسيارات الإسعاف في 19 بلدا، ما أدى إلى مقتل 434 شخصا. وسجلت منظمة الصحة العالمية في سورية 135 هجوما، فضلا عن أعمال عنف اخرى ضد العاملين في المجال الطبي او سواه من المرافق الطبية، ما أدى إلى مقتل 173 شخصا.
«داعش» يحشد
في المقابل، حشد “داعش”، وفق عبدالرحمن، “نحو ألفين من مقاتليه في الجهة الشمالية من ريف الرقة”، مؤكدا أنه قد “استعد جيدا لهذه المعركة في الأشهر الماضية عبر حفر الخنادق وتفخيخها وتجهيز السيارات المفخخة والتمركز في أحياء وأبنية يوجد فيها المدنيون وخصوصاً في مدينة الرقة”.
وفي مقر لقوات “سورية الديمقراطية” تقع على أطراف الطريق الواصل بين صوامع عين عيسى ومواقع التنظيم في خطوط المواجهة، يوضح القائد الميداني براء الغانم لمراسل “فرانس برس” في المكان، أن “المعارك تبعد ثمانية أو تسعة كيلومترات عن حدود عين عيسى”.
مشكلة الألغام
ويذكر أنه فيما عناصره يستريحون وبجانبهم أسلحتهم قبل استئناف استهداف مواقع الجهاديين أن “طيران التحالف ساعدنا في قصف نقاط تمركز داعش”، مشيرا الى “أننا نواجه مشكلة الألغام، إذ تتم زراعة القرى بها من قبل داعش” في محاولة لمنع القوات من التقدم بسهولة.
ويدرك المقاتلون أنفسهم ضراوة المعركة التي يصفها عبدالرحمن بأنها ستكون “صعبة”.
في السياق ذاته، أوضح الباحث المتخصص في الشؤون الكردية موتلو جيفيروغلو أن “الهدف النهائي للمعركة هو مدينة الرقة”، مضيفا “لن تكون معركة على المدى القصير أو المتوسط، لكن حصار المدينة وصد تحركات التنظيم مهم للغاية”.
وأوردت مجموعة “صوفان” الاستشارية، في تعليق على موقعها الالكتروني، أمس أن “إصرار مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية على الدفاع” عن أبرز معاقلهم “من المرجح أن يجعل معركة استعادة الرقة واحدة من أشرس” المعارك، منبهة إلى أن “المخاوف بين مختلف الفصائل المنضوية داخل قوات الديمقراطية حول الدور الذي ستلعبه مختلف المجموعات في القتال، من شأنها ان تزيد من صعوبة المعركة الشاقة اصلا”.
خطر المجاعة
وبعد الاجتماع الأسبوعي لمجموعة العمل الإنسانية المكلفة تنسيق المساعدات، أعلن موفد الأمم المتحدة ستيفان ديميستورا، أمس، أن كثيرا من المدنيين السوريين سيواجهون خطر المجاعة في حال لم تسمح دمشق والفصائل المقاتلة المعارضة بوصول المزيد من القوافل الإنسانية التي تنقل المساعدات.
وقال ديميستورا، للصحافيين في جنيف، بعد أن أطلع مجلس الأمن على مستقبل المحادثات السورية قبل أن يعلن موعد بدء الجولة الجديدة من “جنيف 3” بعد التشاور مع مجلس الأمن، “هناك شعور بضرورة استئناف المحادثات لأننا بحاجة إلى الحفاظ على قوة الدفع”.
وفي موسكو، أكد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أمس، عدم تمكن دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا من تجاوز الخلاف حول مصير الأسد في المفاوضات المرتقبة، في حين أكد نظيره الروسي سيرغي لافروف ضرورة التزام كل الأطراف بالقرارات الدولية كطريق وحيد للتوصل إلى حل الأزمة.
وعقب اجتماع الحوار الاستراتيجي الرابع بين دول مجلس التعاون وروسيا، شدد الجبير على ضرورة وقف الأسد الأعمال القتالية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية من أجل استئناف المحادثات وتنفيذ الانتقال السياسي.
واستدرك الجبير قائلا:”على الرغم من الاختلافات بالرأي أحيانا مع روسيا، لكن الرؤية المشتركة موجودة، ولا نمانع التشاور حتى في الأمور العالقة”.
الدستور والانتخابات
من جانبه، قال لافروف إن الشعب السوري هو من سيقرر مصير بلاده، مشيرا إلى ضرورة التزام كل الأطراف بقرارات مجموعة الدعم الدولية وقرارات مجلس الأمن كطريق وحيد للتوصل إلى حل الأزمة.
وإذ نفى إعداد موسكو لدستور ينزع هوية سورية العربية، أكد لافروف أهمية “الاتفاق على الآلية الشاملة التي ستتولى كتابة الدستور وإجراء الانتخابات تحت الرقابة الدولية، مذكرا بأن مجلس الأمن أقر فترة 18 شهرا كوقت لهذه العملية.
هيئة المعارضة
وفي الرياض، عقدت الهيئة العليا للمعارضة، أمس، اجتماعا مفتوحا لتقويم الأوضاع السياسية والعسكرية في سورية، وبحث اتخاذ قرار المشاركة في الجولة المقبلة من محادثات جنيف المقررة في بداية شهر رمضان المبارك.
وأكد المتحدث باسم الهيئة “رياض نعسان آغا” أن الاجتماع هدفه البحث في الواقع السياسي والعسكري الراهن وتقويم الموقف الحاصل بعد اجتماع فيينا الأخير ووضع الهدنة التي يكاد لا يبقى لها أي أثر، حيث وصلت الخروقات إلى مرحلة غير مقبولة.
تمرد حماة
وفي حماة، نفذ معتقلو السجن المركزي، أمس الأول تمردا جديدا هو الثاني من نوعه خلال أقل من شهر، وذلك على خلفية مماطلة نظام الأسد في تنفيذ بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه أخيرا، والقاضي بالإفراج عن مئات المعتقلين على دفعات.
وأفاد موق “أورينت نت” بأن المعتقلين تمكنوا مجددا من السيطرة على السجن كاملا، إلى جانب احتجاز ضابط برتبة مقدم، إضافة إلى عدد من عناصر قوات الأمن.