كويت نيوز: كويت نيوز تواصل نشر فضيحة بنما”اسرار المال القذر”
ليلةٌ سيئةٌ قضاها المئات قادة دول العالم الحاليين والسابقين، وعائلاتهم، وشخصيات عامة سياسية ورياضية بعد الكشف عن «أكبر تسريبات في التاريخ»: تسريب 11.5 مليون ملف يكشف كيف تُخفَى «الأموال القذرة» عبر جزيرة بنما، المشهورة بكونها إحدى «الملاذات الضريبية» التي يتجه إليها الطغاة، والفاسدون، ومن لا يحبون أن يسأل أحدٌ كثيرًا عن مصادر أموالهم وشرعيتها. من آل مبارك، إلى عائلة الأسد، وأموال الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، إلى بوتين، والقذافي، وسياسيي أوروبا.. تُظهر وثائق بنما أين تذهب ثروات العالم، وكيف تُخفى عن الأعين.
1. ما هي «وثائق بنما»؟
هي إحدى كبرى عمليات تسريب الوثائق للصحافة في التاريخ؛ إذ سلَّم مصدرٌ مجهولٌ 11.5 مليون ملف سري من سجلات شركة «موساك فونسيكا» ومقرها بنما (سنتحدث عنها لاحقًا؛ لا تقلق)، التي قدَّمت خدمات لـ72 من قادة دول العالم الحاليين والسابقين (بعضهم قامت ضده ثورات واحتجاجات) تهدف في النهاية إلى إخفاء أموالهم عن أعين الضرائب والرقابة، وإلى عدم إثارة الكثير من الأسئلة عن مصادرها، وشرعية الحصول عليها.
تضم الوثائق مراسلات بريدية، وحسابات بنكية، وسجلات عملاء يرجع تاريخها إلى 40 عامًا، خاصة بعملاء الشركة الذين لم يقتصروا على «الطُغاة» المعروفين في العالم، ممن قامت ضدهم ثورات الربيع العربي أو عُرفوا بصلاتهم بقضايا فساد وتهريب أموال، بل ضمَّت القائمة 140 سياسيًّا، وأفراد عائلاتهم، وشركاءهم، ومسؤولين حكوميين في إفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية.
عملية التسريب قادها المصدر المجهول إلى الصحيفة الألمانية «زود دويتشه تسايتونج» (Süddeutsche Zeitung) منذ عامٍ تقريبًا؛ فقرَّرت الصحيفة مشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية (ICIJ) وحوالي 400 صحافي عالمي من 107 مؤسسات صحافية في 78 دولةً لتحليل هذا الكم الهائل من البيانات (تذكَّر أنَّنا نتحدَّث عن أكثر من 11 مليون وثيقة) التي جاءت في 2.62 تيرابايت (ألف جيجابايت) من البيانات.
![وثائق بنما](https://samate.wpengine.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/040416_1213_71.png)
2. ما هي شركة «موساك فونسيكا»؟
«موساك فونسيكا»، كما تصفها صحيفة «الجارديان» البريطانية، هي واحدة من أكبر أربع شركات على مستوى العالم في مجال «الخدمات القانونية» ومقرها جزيرة بنما، تُمارس عملها بصورةٍ حصريةٍ تقريبًا مع زبائنها من الشخصيات الدولية، أو رجال الأعمال، أو السياسيين وقادة الدول، لإدارة أموالٍ وأصولٍ بالمليارات عبر تحويلها إلى عدة محطات في شبكةٍ من الشركات الخارجية (خارج إطار قوانين دولهم) بأسماءٍ غير أسماء مُلَّاكها الحقيقيين (سنتحدَّث عن هذا بعد قليل)، تُقدَّر بأكثر من 214 ألف شركة، قبل أن تعود إلى المصدر بصورةٍ يصعب تعقُّبها، وتحديد المستفيد النهائي منها.
![](https://samate.wpengine.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/040416_1213_72.png)
تأسَّست «موساك فونسيكا» بجهود مشتركة بين المحامي الألماني المولد «جوردجان موساك»، والمحامي البنمي «رامون فونيسكا»، الذي أنهي عمله مستشارًا لرئيس بنما «خوان كارلوس فاريلا»، قبل شهر.
3. لماذا بنما؟
دعنا نشرح، باختصار، قبل الحديث عن أسماء المتورطين وتفاصيل الأموال المشبوهة، لماذا يتجه كل هؤلاء إلى «موساك فونسيكا» و«بنما»، تلك الجزيرة الصغيرة لإخفاء أموالهم.
ستسمع كثيرًا في الأيام القادمة مصطلحين هما: «الملاذ الضريبي» (Offshore tax haven)، و«الشركات الوهمية» (Shell companies)؛ وهما بالضبط ما يجيب على سؤالك. تُدار عمليات غسيل الأموال المذكورة في وثائق بنما، عبر شبكة من الشركات الوهمية المتصلة بها في دولٍ تُعد ملاذات ضريبية.
الملاذات الضريبية
في العالم دول ومقاطعات معروفة بكونها «ملاذات ضريبية»، تنشط فيها عمليات غسيل الأموال، وإخفاء الثروات والمستفيدين منها؛ فيكون من السهل فيها إنشاء شركات وحسابات بنكية وهمية تساعد في التهرُّب من الضرائب والرقابة على التربُّح من الوظائف الرسمية أو العلاقات بالسياسيين والشخصيات الدولية. بنما من بين هذه الملاذات بكل تأكيد، ومنها أدارت «موساك فونسيكا» شبكة شركاتها الوهمية في دولٍ أخرى، هي نفسها «ملاذات ضريبية»، مثل سويسرا، وقبرص، والجزر البريطانية، والجزر الكاريبية.
الشركة الوهمية
شركة لا تُدير عملًا حقيقيًّا؛ فليس لديها منتجٌ أو خدمةٌ فعلية تُقدَّم للجمهور. عملها الحقيقي هو إدارة الأموال التي تصلها وتحويلها من مصدرٍ إلى آخر، مع إخفاء هوية مالكي الأموال الفعليين وتسجيل كافة الأوراق والمراسلات بأسماء القائمين على إدارة الشركة. أين ستحب أن تنشئ شركة وهمية إذا قرَّرت ذلك؟ بالتأكيد في دولٍ لا تبذل السلطات فيها جهودًا كبيرةً في الرقابة والتحقُّق من هوية مالكي الشركات، وأعمالها، والمستفيدين من أموالها.
4. أخبرني عن المتورطين
السؤال الأكثر سخونةً هنا (وربَّما الأكثر رعبًا)، والذي ما تزال التقارير الصحافية وخيوط المعلومات تتشابك لكشف المزيد عنه، هو عن هوية المتورطين في عمليات تهريب الأموال وغسيلها في بنما، الملاذ الآمن للفساد والتهرُّب من الضرائب.
5. ما حجم الأموال الذي نتحدَّث عنه؟
جاءت المحاولة الأدق لتقدير حجم الأموال في هذه «الملاذات الضريبية» في كتاب «ثروة الأمم المخفية» (The Hidden Wealth of Nations) لأستاذ الاقتصاد في جامعة UC Berkeley الأمريكية «جابرييل زاكمان»، وقدَّر فيه إجمالي الأموال في تلك الملاذات بـ7.6 تريليون دولار أمريكي.
وأظهر بحثٌ قدَّمته مجموعة «النزاهة المالية العالمية» (Global Financial Integrity) أنَّ تهريب الأموال إلى الخارج قد كلَّف الدول النامية 7.8 تريليون (ألف مليار) دولار أمريكي بين عامي 2004 و2013 فحسب.
وبحسب البحث، لم تنجُ أيَّة دولة عربية من تهريب الأموال إلى الخارج بطرق غير شرعية (كما يظهر في الخريطة الواردة في البحث)؛ فهُرِّب أثناء تلك المدة من مصر حوالي 40 مليار دولار، ومن العراق 105 مليارات دولار، ومن السعودية 29 مليار دولار، ومن سوريا 48 مليار دولار. يمكنك الاطلاع على القائمة كاملةً من هنا.
6. كيف سيؤثر ذلك في العالم العربي؟
إنَّ عملًا ضخمًا مثل هذا يُضاف، بكل تأكيد، إلى رصيد الصحافيين الذين قضوا عامًا كاملًا في تحليل هذا الكم الهائل من البيانات، وعرضها للجمهور في صورةٍ، لكن السؤال دائمًا يكون: وماذا بعد؟
تحدُّث الكثيرون في الدول العربية، بعد ثورات «الربيع العربي» عن «الأموال المنهوبة» وكيف نستعيدها من الخارج بعد ظهور صلات تربط الحُكَّام السابقين، وعائلاتهم، ومعارفهم، بأنشطة غسيل أموال وتهريبها، لكن دون جدوى حقيقية في كثير من الأحيان بعد ضياع الأمر بين «لجان تقصي الحقائق» و«جهود الحكومة للتعاون مع السلطات الأجنبية لاسترداد الأموال»؛ فهل تكون «وثائق بنما» أمرًا مختلفًا يستدعي التحرُّك الجاد؟
في أيسلندا، قرَّر رئيس الوزراء إنهاء مقابلة تليفزيونية بعد سؤال عن كشف علاقته بصفقة إنقاذ البنوك الأيسلندية من الإفلاس وكونه متربحًا منها. فهل تحدث مقابلات تليفزيونية أصلًا في عالمنا العربي تتساءل عن علاقة المسؤولين الحاليين والسابقين بالقضية؟
7. كيف أعرف المزيد؟
– يمكنك الاطلاع على البيانات والوثائق المنشورة كاملةً، وتصنيفها بحسب الشخصيات والدول عبر موقع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين من هنا.
اترك تعليقاً